لا يخفى على أحد الميل التاريخي للتدخل السعودي في الشؤون اللبنانية. عند كل استحقاق تُشغّل الرياض محركاتها للعبث باستقرار لبنان، وهي لا توفر في سبيل ذلك جهداً إلا وبذلته.
فالمملكة لا يهنأ لها عيش إذا ما "حشرت أنفها" في الشأن اللبناني. محطات التاريخ الحديث أصدق مثال على ذلك. زيارة المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا الى بيروت لا تخرج عن هذا المنطق السعودي. تزامن حصولها على بعد أيام من إقفال باب الترشح للانتخابات النيابية في السادس من آذار، يثير جملة تساؤلات حول توقيت الزيارة، وأهدافها. خصوصاً أنّها تأتي في ظل مناخ اللاحسم للوائح الانتخابية الذي يعيشه تيار "المستقبل" وبقايا ما يُسمى 14 آذار.
الأمر أبعد من دائرة التدخل غير المباشر، باتجاه دفتر شروط عرضه الموفد السعودي على العديد من المسؤولين الذين التقاهم. دفتر يتخطى مسألة تشكيل اللوائح باتجاه إنشاء جبهة انتخابية سياسية عريضة تقود المواجهة مع حزب الله، وهو الأمر الذي لم يلق استحساناً لدى بعض المسؤولين الذين مانعوا الفكرة، وفق ما تروي مصادر مواكبة للزيارة.
لا تستغرب المصادر الزيارة "المفاجئة" للموفد السعودي. فمنذ الرابع من تشرين الثاني 2017، وسيناريو استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري الذي فبركه الديوان الملكي، وما تبعها من نقمة في الشارع اللبناني، والسعودية تفكّر بطريق العودة الى لبنان. الأهم بالنسبة إليها، عودة مياه التدخل الى مجاريها. وهي في سبيل ذلك، وجهت دعوة رسمية للحريري تكاد تكون، وفق المصادر، الدعوة السعودية الرسمية الوحيدة التي توجه لرئيس حكومة لبناني منذ عام 2005. المحلّل السياسي وسيم بزي يُقدّم قراءة موجزة للزيارات المتبادلة بين بيروت والرياض.
وفق حساباته، لزيارة المبعوث السعودي بعدان؛ الأول يتصل بالعلاقة مع الرئيس الحريري، ومحاولة ترميمها، خصوصاً بعدما مرّت به من أزمات إبان اختطافه، والسعي السعودي لاستمالته مجدداً وحثه على تنفيذ أجندة معينة، والثاني يتعلّق بالبعد الانتخابي، وسعي الرياض للتدخل باللعبة الانتخابية.
يتوّقف بزي عند التدخل السعودي العلني في تشكيل اللوائح، سائلاً: ألا يتناقض هذا الأمر مع سياسة النأي بالنفس؟. لافتاً الى أن الرياض تسعى بكل ما أوتيت من قوة لشيوع مناخ ضد حزب الله، ينخرط فيه كل المشروع الآذاري القديم، إضافة الى قوى سياسية جديدة. المطلوب، إعادة ترميم قوى 14 آذار انتخابياً لمحاربة حزب الله ومواجهته.
وهنا يشدد منصور على أنّ ما يطلبه السعوديون لكي تستوي العلاقة مع الحريري، يتضمّن تنفيذ دفتر شروط على رأسه الهجوم على حزب الله، ووضع سمير جعجع في صدارة المشهد والتحالف معه انتخابياً، بالإضافة الى لملمة صفوف "14 آذار" إفساحاً في المجال أمام تنفيذ الهدف الأهم، وهو التصويب على المقاومة. إلا أن الأمور قد لا تسير -بحسب بزي- بما تشتهيه رياح السعودية، كأن لا يسير الحريري مع المطالب السعودية، ما يضطرها الى تحميله مسؤولية ما قد يحصل مستقبلاً على غرار الرسائل السعودية التي خرجت إبان التسوية الرئاسية التي شارك فيها الحريري.
المصدر: موقع العهد الإخباري