بعد إصدار الأمم المتحدة القرار 598، وتدخّل الدول الكبرى للضغط على إيران للقبول به، توجّه "خافيير بيرز دكويار" أمين عام الأمم المتحدة في ذلك الوقت إلى طهران للتفاوض حول هذه الوثيقة. وكان من ضمن لقاءاته، لقاء مع السيد القائد دام ظله الذي كان يومذاك رئيساً للجمهوريّة.
بعد إنهاء محادثاته مع السيد القائد، خرج دكويار مستفسراً: "من أيّ جامعة في العلوم السياسيّة تخرّج رئيسكم؟ لقد عملت في السياسة أكثر من ثلاثين عاماً، ومنذ عشر سنوات وأنا أمين عام للأمم المتحدة ولا يوجد رئيس أو سياسيّ إلّا وقابلته، لكنّني حتى الآن لم أرَ رئيساً محنّكاً في السياسة مثل رئيسكم، ولا شخصيّة أشدّ ذكاءً منه"(1).
ماذا يقرأ هذا القائد؟ وكيف حصّل هذه المعارف التي لم تنحصر بعلومه الدينيّة والفقهيّة التي أوصلته إلى المرجعيّة الدينيّة، بل تخطّتها لتذهل كلّ مَن جالسه من رجال سياسة وعلمٍ وفنٍ وأدب؟
سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في مقابلة "مفترضة" مع سماحته دام ظله.
* يُعرف عنكم التعلّق المبكر بالمطالعة، متى بدأ هذا التعلّق وما المؤثر الأوّل في ذلك؟
"في بيت والدي كان هناك مَن يجلس ويقرأ كتاباً لآخر. كان هذا الأمر يحدث لسنوات، سواء للصغار أم للكبار"..(2). كما أنّ "جميع أفراد عائلتنا لا ينامون مساءً إلّا وهم في حال مطالعة كتاب. وأنا أيضاً كذلك، أطالع قبل النوم إلى أن أشعر بالنعاس، عندها أضع الكتاب جانباً وأنام. وكلّ أفراد عائلتنا عندما يريدون أن يخلدوا إلى النوم، فحتماً سيكون هناك كتاب ما بين أيديهم"(3).
* إذاً، للأسرة دورها الأوّل في التوجيه نحو المطالعة، ما هي نصيحتكم في هذا المجال؟
"ينبغي للشباب والآباء والأمّهات، وخاصّة الأوّلاد، أن يأنسوا بالكتاب، وهذا أمرٌ ممكن. إذا كان الأب والأمّ من أهل المطالعة، فثمّة احتمال كبير أن يصبح الأولاد من أهل المطالعة أيضاً"(4).
* متى برز عندكم هذا الميل نحو الكتاب؟
"كنت كثير المطالعة منذ مرحلة الشباب، فبغضّ النظر عن الكتب الدراسيّة كنت أقرأ الكتب التأريخيّة، الأدبية، فنون الشعر والنثر، القصص والروايات. كنت أحبّ الروايات كثيراً، وقد قرأتُ أغلب الروايات المشهورة آنذاك. وقد شغفت بالأحاديث النبويّة إثر إجادتي اللّغة العربيّة بفضل دراستي ومتابعتي للدروس العربيّة.
من جهة أخرى، كان لوالدي مكتبة في البيت، وقد طالعت أغلبها. طبعاً، كنت أستعير بعض الكتب، لا سيّما القصص والروايات من مكتبة صغيرة قرب البيت. كنت أتردّد إلى مكتبة الحَضرة الرضويّة المقدّسة أوائل دراستي الحوزويّة في سنّ الخامسة أو السادسة عشرة من عمري.. كنّا نستأنس بالكتب. اعلموا أني لم أكفّ عن المطالعة حتى الآن، بل ما زلت أطالع أكثر من أغلب الشباب"(5).
* برأيكم، ما أفضل مرحلة من حياة الإنسان للتوجّه نحو المطالعة؟
"إنّ مرحلة الشباب هي مرحلة ذهبيّة ولا يمكن مقارنتها بسواها من المراحل".
"ما زلت أذكر جيّداً تلك الأحاديث التي تعلّمتها في فترة الشباب كنت أدوّنها في دفتر صغير، والغريب أنّي قد لا أستحضر بعض الأحاديث التي طالعتها خلال هذا الأسبوع أو أمس، في حين أتذكّر كلّ ما دوَّنته من أحاديث آنذاك. عليكم أن تلتفتوا إلى هذه القضيّة. فاعلموا أنّ ما تقرأونه اليوم سوف لن يُمحى من ذاكرتكم أبداً"(6).
* مع كل انشغالاتكم، هل لا زلتم تجدون وقتاً للمطالعة؟
"أنا العبد، على الرغم من مشاغلي الكثيرة، لكن بحمد الله، لم أنفكّ عن قراءة الكتب، وفي الحقيقة، لا أستطيع ذلك. ورغم زحمة الأعمال الكثيرة والهامّة التّي هي على عاتقي، فأنا على تواصل دائمٍ مع الكتاب. إنّني أشعر أنّ الإنسان إذا أراد أن يبقى على الصعيدَين المعنويّ والثقافيّ غضّاً ومتجدّداً، فليس له حيلة سوى الارتباط بالكتاب، كالارتباط بنبع سيّال ودائم الجريان، يمدّ الإنسان -بشكل منظّم- بكلّ جديد. طبعاً، المسألة ليست مسألة حيلة أو عدمها، بل هي مسألة ميل ورغبة وأمر لا بدّ منه بالنسبة إلى مَن هو من أهل المطالعة والكتاب".
"... إنّني الآن أطالع في كلّ يوم وكلّ ليلة مقداراً ما... لعلّني دوّنت مئات الصفحات من التعليقات"(7).
".. أرى بعض شبابنا لا يخصّصون لأنفسهم وقتاً للمطالعات الجانبيّة. والحقيقة أنّه يمكن للشابّ أن يدرس دروسه، ويطالع، ويمارس الرياضة أيضاً"(8).
* في عالم الكتاب بشكل عام، ما أولويّة الشباب في المطالعة؟ وما توصياتكم في هذا المجال؟
"أوصي الشباب بتلاوة القرآن والاستئناس به؛ لأنّ التلاوة الجيّدة تزيد من جاذبيّة القرآن وتقرّب القلوب إليه. وهناك الأُنس والارتباط بالصحيفة السجّاديّة. فالأنس بالدعاء عالم فسيح من المعرفة. لا شك في أنّ العلم الدينيّ من الأمور التي تقع في صدر قائمة العلوم، نحن بحاجة إلى الاطلاع على الدين والمعارف الدينيّة... علينا أنْ نفهم الدين... الشهيد مطهّري كان نموذجاً للشخص العالم بمعارف الدين... أوصي جميع الشباب توصية أكيدة بقراءة دورة كاملة من كتب المرحوم مطهّري. كلام مطهّري كلام جديد. حقائق الدين ومعارفه وتمحيص جوانب من المعارف والعقائد نحتاج إليها اليوم كما كنّا يوم طرحت لأوّل مرة"(9).
كذلك، "يجب أن تتمّ مطالعة كل حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فكلّ لحظة في حياته تشكّل حدثاً معيّناً، درساً، مظهراً إنسانيّاً عظيماً... فليذهب شبابنا وليطالعوا حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال المصادر القويّة والمُسندة وليعرفوا ما الذي حصل"(10).
"زوّدوا أنفسكم بالمعارف. طبعاً، إنّ سبيل ذلك هو التعرّف إلى القرآن، الأنس بالقرآن، الأُنس بنهج البلاغة، الأُنس بالصحيفة السجّادية. كثير من هذه الشكوك، المخاوف والصدأ الذي يعلو قلب الإنسان في بعض الأحيان، يتحوّل بقراءة هذه الكتب إلى النورانيّة والشفافيّة؛ يدرك الإنسان، يعرف الطريق، يعرف ما عليه فعله، ويدرك الهدف. مطالعة كتاب "الأحاديث المعنويّة" للشهيد مطهّري يتناسب على سبيل المثال مع شهر رمضان المبارك"(11).
* إلى جانب قراءاتكم الواسعة في شتّى المعارف الإسلامية، ما هو مجال الكتب الذي يستهوي سماحتكم في عالم المطالعة الواسع؟
"ليس لي في مجال السينما والفنون التصويريّة وأمثالها هذه الخبرة. هنا أكون مستمعاً عاديّاً. لكن في الشعر والرواية، لست إنساناً عاديّاً؛ لقد قرأت الكثير من هذه الآثار الموجودة... لعلّني قرأت على امتداد سنوات من عمري، اهتممت فيها بالكتب الروائيّة، آلاف القصص لأهمّ الكُتّاب في العالم..."(12).
* بما أنّكم مهتمون بعالم الكتب الروائيّة التاريخيّة، أيّ الروايات تنصحون القرّاء بمطالعتها؟
"في رأيي، إنّ رواية "البؤساء" لفيكتور هوغو أفضل رواية كُتبت في التاريخ. طبعاً لم أقرأ جميع الروايات المكتوبة في التاريخ، ولكنّي قرأت العديد من الروايات المتعلّقة بأحداث قرون مختلفة، وقرأت روايات قديمة للغاية. على سبيل المثال، قرأت "الكوميديا الإلهيّة"، و"أمير أرسلان"، و"ألف ليلة وليلة".. ولكن "البؤساء" معجزة في عالم كتابة الرواية.. وأقول مراراً: اقرأوا "البؤساء". إنّه كتاب عن علم الاجتماع والتاريخ والنقد وعلم اللّاهوت والحب والمشاعر"(13).
* نقرأ بشكل دائم تقريظاتكم على كتب "أدب وفن المقاومة"، ما تقييمكم لهذه الكتب؟
"لقد قرأت تقريباً كلّ الكتب التي نُشرت في مكتب أدب وفن المقاومة، ووجدتُ بعضها استثنائيّاً جدّاً"(14).
"أنا أتابع بشكل دائم هذه الكتب، لأطّلع على الذكريات. إنّني أتأثر كثيراً بجاذبيّة وصدق وإخلاص هذه الكتابات والمرويّات"(15).
على سبيل المثال، "إن كتاب "دا"(16) هو حقّاً وإنصافاً، كتابٌ جيدٌ جدّاً، وجديرٌ بأن يُروّج على المستوى العالميّ... لو أنّ كتاب "دا" بات معروفاً، لنفدتْ ملايين النسخ من مراكز بيع الكتب، ولاستفاد ملايين الأشخاص من محتوى هذا الكتاب..."(17).
* كلمة أخيرة توجّهونها لمحبّي المطالعة
"للكتاب دور خاص. لا يُمكن لأي شيء أن يحلّ مكان الكتاب. يجب أن نروّج للكتاب... ينبغي أن يتعوّد الناس على المطالعة ويدخل الكتاب في صميم الحياة"(18).
* موقع مجلة بقية الله الإلكتروني - حوراء مرعي عجمي
1.كتاب الإمام السيّد علي الحسيني الخامنئي دام ظله، دار المعارف الإسلامية الثقافية.
2.في لقاء له دام ظلهبالقيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.
3.في حوار له دام ظله مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده معرض طهران الدولي الثامن للكتاب، 16/5/1995م.
4.في لقاء له دام ظله مع المنتخبين في مراسم اختيار كتاب العام، 28/12/1993م.
5.في لقاء له دام ظله بجمع من الشباب والناشئة القيمين على برنامج "نيمرخ" ملامح –التلفزيوني، 3/2/1998م.
6.السيرة والمسيرة، الإمام الخامنئيّ، ص26.
7.من كلام له في مؤتمر أئمة الجمعة في محافظة طهران، 6/11/1984م.
8.في لقاء له دام ظلهبجمع من الشباب والناشئة القيمين على برنامج "نيمرخ" ملامح – التلفزيوني، 3/2/1998م.
9.من كلمة الإمام الخامنئي دام ظلهفي رجال الدين بمحافظة فارس 30/04/2008م.
10.مترجم عن الفارسية، رهبر انقلاب مطالعه جه كتاب را توصيه مى كنند.
11.مترجم عن الفارسية، في لقاء له دام ظله مع مجموعة من الشعراء.
12.في لقاء له دام ظله بالمديرين والمنتجين في المسلسل التلفزيوني "شاهد"، 3/1/1994م.
13.في تصريحات لبعض مسؤولي شبكة التلفزيون الحكومية الإيرانية عام 2004م.
14.نسائم الذكريات الندية، ص278.
15.(م.ن)، ص246.
16."دا": تعني "الأم" باللغة الكُرديّة، وسيصدر الكتاب قريباً عن دار المعارف الإسلامية الثقافية.
17.نسائم الذكريات الندية، (م.س)، ص146.
18.(م.ن)، ص 279.