حكى المرحوم النوري في كتاب (الكلمة الطيبة) أربعين حكاية حول مشاهدة بركة الصدقة والانفاق في سبيل الله، منها: ما ينقل عن العالم الرباني الآخوند ملاّ فتح علي نقلاً عن أحد أرحامه الثقات أنه قال: في إحدى سِنيِّ الغلاء كان لي قطعة أرض زرعت فيها الشعير، وكانت من أفضل المزارع عطاءاً وخضرة وقد حان وقت حصادها، ولما كان الناس بمختلف طبقاتهم يشكون حالة الجوع والفاقة لم تسمح لي نفسي أن آخذ من نفعها ولذلك فقد ذهبت إلى المسجد وناديت: لقد منحت شعير تلك الأرض بشرط أن لا يأخذ منه إلا الفقير، وأن لا يأخذ الفقير أكثر من قوت نفسه وعياله.
ذهب الفقراء إلى ذلك المكان وبدأوا يأخذون من الشعير يومياً فيأكلونه، ولم أكن مطلعاً على تفصيل ما يجري فقد كنت قد صرفت نظري عن المزرعة ولم يكن لي طمع بها بعدئذ.
ولما بلغت سائر المزارع وقت الحصاد، وصار الناس في رفاه، وفرغت أنا من حصاد باقي مزارعي قلت للفلاحين الذين يباشرون عملية الحصاد اذهبوا إلى تلك القطعة لعلّنا ننتفع مما فيها من التبن والعلف، ولعل شيئاً بقي من سنابلها لم يحصد بعد، وبالفعل فقد ذهبوا إليها وحصدوا ما بقي فيها وبعد سحقه وتنظيفه كان الحاصل من الشعير ضعف الحاصل من سائر المزارع، فعلاوة على أن ما أخذه الفقراء من تلك المزرعة لم يؤثر في كمية الشعير كان المحصول قد زاد وتضاعف،
بينما كان من المحال عادة أن تبقى سنبلة واحدة منه، والأعجب من ذلك أنَّه حين حلَّ فصل الخريف وكان من المتعارف أنَّ كل أرض زُرعت تترك بعد حصادها مدة سنة خالية من الزرع أما هذه القطعة فقد بقيت كما هي من دون أن تحرث ومن دون أن تبذر إلى أن دخل الربيع وارتفع عنها البرَد رأينا تلك القطعة خضراء وزرعها أقوى وأكثر من سائر المزارع ﴿... وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء...﴾(البقرة:261).
*من كبائر الذنوب، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2008م، ص133-146.