قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ 1.
- الشعائر جمع شعيرة، وهي العلامة الظاهرة الدالّة على أمرٍ ما، فمعنى كون الصفا والمروة من شعائر الله، أي أنّهما من العلامات الظاهرة الدالّة على الله عزّ وجلّ. - القلوب جمع قلب، وهو الباطن والداخل للإنسان الذي يعبّر عن حقيقته، ويحرّك ظاهره. الملاحظ أنّ هذه الآية تربُط بين الظاهر والباطن، فتفيد أنّ تعظيم الظاهر الدالّ على ارتباط بالله تعالى هو من تقوى ووقاية وتحصين الداخل والباطن.
إنّه المنطق الواضح للقرآن الكريم الذي يرفض الاكتفاء بالمضمون الداخلي فقط، ويدعو إلى الاهتمام أيضًا بالشكل والظاهر. على هذه القاعدة رفض القرآن الكريم منطق المبتعدين عن الزينة باعتبار أنّها من كماليّات الإيمان، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ 2.
ولعلّ الاستفهام الإنكاريّ الوارد في الآية هو إشارة إلى أنّ الانجذاب إلى الجمال هو أمر منطلق من الفطرة التي زرعها الله تعالى في الإنسان تجذبه نحو الكمالات التي تمثّل تجليًّا للكمال الإلهيّ، وهذا ما يعبّر عنه الحديث الوارد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله جميل يحبّ الجمال"3، وكذا ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عز وجل يحبّ الجمال والتجمُّل، ويبغض البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزّ وجل إذا أنعم على عبدٍ أحبّ أن يرى عليه أثرها"4
. بناءً على هذه الخلفية اعتنى الإسلام بجمال الجسد والثياب.
أ- جمال الجسد
أكّدت الروايات على تجميل جسد الإنسان من خلال الاهتمام بالأمور الآتية:
1- تقليم الأظفار دعت الأحاديث الشريفة إلى تقليم الأظفار ولو في كلّ أسبوع مرّة، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من قلّم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله من أنامله الداء، وأدخل فيه الدواء"5.
2- تزيين الشارب ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "خذ من شاربك وأظفارك في كلّ جمعة"6.
3- تسريح الشعر ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "كثرة تسريح الرأس تذهب بالوباء وتجلب الرزق"7، كما ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلاً شعثًا شعر رأسه، وسخةً ثيابه، سيئةً حاله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من الدين المتعة وإظهار النعمة"8.
وفي الإطار نفسه ورد أنّ الإمام الصادق عليه السلام علّق على قول الله تعالى: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾9: بقوله عليه السلام "المشط، فإنّ المشط يجلب الرزق، ويحسّن الشعر، وينجز الحاجة..."10.
4- التعطُّر ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "العطر من سنن المرسلين"11، كما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام: "الطيب من أخلاق الأنبياء"12. وفي سيرة النبيّ محمّد أنّه صلوات الله عليه وآله كان "يُعرف في الليلة المظلمة بريح عطره قبل أن يُرى"13، بل ورد "أنّه كان صلى الله عليه وآله وسلم ينفق على الطيب أكثر مما ينفق على الطعام"14.
ومن لطيف ما ورد في حياة الإمام جعفر الصادق عليه السلام أن موضعه في المسجد كان يعرف من طيب ريحه، وموضع سجوده. وبهدف الحثّ على التعطُّر ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ركعتان يصليهما متعطِّر أفضل من سبعين ركعةً يصليها غيرُ متعطّر"15.
5- التختّم إضافة إلى التعطّر، حثّ الإسلام على تزيين اليد بالخاتم، ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "صلاة ركعتين بفصّ عقيق تعدل ألف ركعة بغيره"16.
ب- جمال اللباس
دعت مدرسة أهل البيت عليهم السلام إلى عدم التجمُّد المطلق في الشكل، والذي منه اللباس، لا سيّما في ما يكون عرضةً للتغيُّر عبر العصور والأزمنة، فتختلف فيه الأذواق من زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان، ففي زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورد أنّ اللباس المنتشر بين المؤمنين كان عبارة عن ثوب مرتفع من ناحية القدم، على نحو الدشداشة القصيرة هذه الأيّام، فلو قرأنا رواية أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام كانا يلبسان هذا النوع من الثياب الذي كان وقتها مظهرًا من مظاهر التواضع، فهل يعني أن نتجمّد على ذلك الشكل، ونلبس مثله، ونلزم أبناءنا بلبس مثله؟ الجواب من أمير المؤمنين عليه السلام في كلمتين رائعتين: الأولى: "لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"17.
الثانية: "إنّ أحسن الزيّ ما خلطك بالناس، وجمّلك بينهم، وكفّ ألسنتهم عنك"18. تحت سقف هذين الحديثين ورد عن أهل البيت عليهم السلام
معايير عامة للباس.
1- منها ما يتعلّق بحرمة وكرامة الإنسان إنّ الإنسان المؤمن عزيز عند الله تعالى، لكنّه ليس مسلّطًاَ على عزّته، فإن الله تعالى قد فوّض للمؤمن كلّ شيء، إلا أنّه لم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه، كما عبّرت عن ذلك بعض الأحاديث، لذلك حرّم الإسلام لباس الشهرة، وهو اللباس الذي إن ارتداه الإنسان، فإنّه يولّد تعجّب الآخرين، وسخريّتهم، وإشارتهم إليه بالبنان، كارتداء الرجل تنّورة في لبنان، لا في اسكتلندا، فعن الإمام الحسين عليه السلام: "من لبس ثوبًا يشهّره كساه الله يوم القيامة ثوبًا من النار"19.
2- ومنها ما يتعلّق بثقافة الثوب ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تعالى أوحى إلى نبيٍّ من أنبيائه، قل للمؤمنين: لا تلبسوا ملابس أعدائي"20. تطبيقًا لذلك ورد أنَّ أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام كان يلبس حذاءً، كما يلبس اليهود من حيث الشكل، فأمره الإمام عليه السلام بتعديلها. بناءً على ما سلف فإنَّ على المؤمن أن يلتفت إلى الشعارات والكلمات التي تكتب على اللباس، فيجتنب ما يروّج لثقافة أعداء الدين كشعار عبّاد الشيطان، أو يروّج للفساد كشربِ الخمر، ونحو ذلك.
3- ومنها ما يتعلّق بروحيّة اللابس، فيجتنب ما يكون ارتداؤه علامة على التكبُّر. فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من لبس ثوبًا يباهي به ليراه الناس، لم ينظر الله إليه حتى ينزعه"21.
4- ومنها ما يتعلّق بالعفاف وقد أفردنا له موضوعًا خاصًّا يأتي تحت عنوان "الحجاب". ج- جمال التقوى رغم اهتمام الإسلام بجمال الجسد والثياب، إلاّ أنّه دعا إلى إعطاء الأولويّة لجمال الداخل والباطن، معتبرًا أنّ التقوى هي أجمل لباس، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "أزين اللباس للمؤمنين لباس التقوى، وأنعمه الإيمان"22.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في كلماته التي جمعت درر البلاغة بالاختصار البديع: - الجمال الظاهر حسن الصورة23. -
وبمثل هذه الكلمات ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في حديثه عن الزينة: "العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلاء، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الإيمان، والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم، والإيثار زينة الزهد، وبذل المجهود زينة النفس، وكثرة البكاء زينة الخوف، والتقلل زينة القناعة، وترك المنّ زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة، وترك ما لا يعني زينة الورع"24. *
المصدر :كيف نبني مجتمعاً أرقى؟ سماحة الشيخ أكرم بركات.
1- سورة الحج، الآية 32.
2- سورة الأعراف، الآية 32.
3- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص438.
4- المصدر السابق نفسه.
5- الصدوق، محمد، الخصال، تحقيق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 هـ، ص 391
6- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص490.
7- المصدر السابق،ج6، ص 489.
8- المصدر السابق، ص 439
. 9- سورة الأعراف، الآية 31.
10- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج73، ص117.
11- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص 510.
12- المصدر السابق.
13- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج16، ص 248.
14- المصدر السابق.
15- المصدر السابق، ج81، ص 330.
16- المصدر السابق، ج80، ص 187.
17- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابراهيم، (لا، ط)، قم، اسماعيليان، (لا، ت)، ج20، ص 267.
18- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، ص 150.
19- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص 445.
20- السبزواري، محمد باقر، ذخيرة المعاد، (طبعة هجرية)، قم، مؤسس آل البيت لاحياء التراث (لا، ت)، ج1، ص 228.
21- الطبراني، سليمان المعجم الكبير، تحقيق حمدي السلفي، (لا، ط)، بيروت، دار احياء التراث، (لا، ت)، ج23، ص 284.
22- الشهيد الثاني، زين الدين، رسائل الشهيد الثاني، (لا، ط)، قم، بصيرتي، (لا، ت)، ص 117.
23- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، ط1، (لا،م)، دار الحديث، (لا،ت)، ص 45.
24- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج78، ص80.