جاء النص الكامل لكلمة قائد الثورة الإسلامية على الشكل التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين، سيما بقية الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، أهالي مدينة قم الشجعان البواسل، وجمعٍ من رجال الدين المحترمين والعلماء المكَّرمين، فيوم التاسع عشر من شهر دي في كل سنة فيه بشارةٌ لي بأن يكون لنا لقاءٌ معكم هنا أيها الأهالي المؤمنون الشجعان الشرفاء.
قم زاخرة بالمحفزات والدوافع، ومفعمة بالأمل، إنها آملة بنفسها وتبعث على الأمل لدى الآخرين. قم مدينةٌ رائدةٌ وأهاليها طلائعيون ورواد يقيناً في بلادنا. في التاسع عشر من دي سنة 1356 هـ.ش (9/1/1978م) حين سمعنا بأحداث قم عن بعد، ولم يكن في البلاد آنذاك أية أحداث من قبيل التجمعات الشعبية والهياج الشعبي، لكن قم نهضت وانتفضت وجعلت من صدور أبنائها دروعاً وقدمت القتلى والشهداء. منذ ذلك اليوم وإلى اليوم حيث مضت أربعون سنة، واصلت مدينة قم مسيرتها في الصراط المستقيم. وقد شاهدتم هذه السنة في يوم التاسع من دي أنَّ أهالي قم خرجوا في تلك المظاهرات التي تقام بشكل طبيعي وعادي في كل أنحاء البلاد، لكنهم لم يكتفوا بذلك، حيث خرجوا يوم الثالث عشر من دي بتلك المظاهرات الملحمية وصنعوا تلك الحركة العظيمة.
وقد كان هذا دوماً كلام شعبنا. شعبنا العزيز، وشرائح شعبنا العزيزة، ومدن بلادنا المختلفة، وشبابنا، كان كلامهم (دوماً) كلام الثورة والنظام الإسلامي والصمود بوجه منطق القوة وعدم الرضوخ لما تفرضه القوى العاتية. كلام الشعب طوال كل هذه السنين الطويلة كان شيئاً واحداً، واليوم حيث مضت أربعون سنة على تلك الأيام، يتبنّى شعبنا ذلك المنطق نفسه، وتلك المسيرة نفسها، وذلك الهدف نفسه، لكنَّه اليوم أصبح أكثر نضجاً وتجربة وخبرة. ومن حيث التحفُّز والاندفاع إنْ لم نقل أنَّ شبابنا اليوم أكثر تحفزاً من (شباب) تلك الأيام، فإنّهم يمتلكون نفس المستوى من الدوافع التي كان يمتلكها (أولئك الشباب في الماضي)، فضلاً عن أنهم أكثر عدداً؛ أي أنَّ عدد الشباب المؤمن المتدين المتحفز المستعدين للتواجد والتضحية في ساحات الخطر أكثر من (عدد) شبابنا عشية الثورة وفي السنين الأولى من الثورة بعدة أضعاف. هذا هو الخط المستمر لهذا البلد. حسنٌ، أنا طبعاً أقول هذا الكلام دائماً، وتوجد دوماً شواهد وقرائن، لكنَّ ما حدث في هذه الأيام مثّل شواهد واضحة ناصعة لصالح هذه القضية. كما قلنا فإن شعب إيران في أقصى مناطق البلاد، في المدن الكبيرة، وفي المدن الصغيرة، منذ يوم التاسع من شهر دي (30/12/2017م) حيث كانت هذه الألعاب النارية وهذه الشيطنات التي قام بها بعض الأفراد قد بدأت لتوّها، وسوف أتحدث عنها لاحقاً، انطلقت هذه الحركة في كل مكان من البلاد منذ يوم التاسع من دي، وبعد ذلك عندما رأوا أنَّ مرتزقة الأعداء لا يكفُّون (عن أفعالهم هذه)، تكررت هذه المظاهرات في كل أنحاء البلاد تباعاً في أيام متوالية، من يوم الثالث عشر من دي (3/1/2018م) في قم وفي الأهواز وفي همدان وفي كرمانشاه، وفي يوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر من دي في مدن متعددة، في المدن الكبيرة، ومرة أخرى في مدينة مشهد وشيراز وأصفهان وتبريز. هذه ليست بالأحداث العادية، فلا يوجد نظيرٌ لها في أي مكان من العالم. وهذا ما أقوله عن اطلاع ومعرفة. هذه الحركة الشعبية العظيمة المنسجمة في مواجهة مؤامرة العدو، بهذا التنظيم، وبهذه البصيرة، وبهذا الحماس، وبهذا التحفز، غير موجودة في أي مكان من العالم. وهي (هذه الحركة الشعبية) مستمرة منذ أربعين سنة. القضية ليست قضية سنة وسنتين وخمس سنين وما شاكل. إنها معركة الشعب مع أعداء الشعب، معركة إيران مع أعداء إيران، معركة الإسلام مع أعداء الإسلام. لقد استمرت هذه الحالة وسوف تستمر بعد الآن أيضاً، بيد أن انشغال الشعب الإيراني بالنضال والصمود والاستقامة لم يجعله يغفل عن باقي أبعاد الحياة وجوانبها، لا. شبابكم هؤلاء أنفسهم قاموا بالكثير من الإنجازات والتقدم العلمي، وموظفوكم أنجزوا أعمالاً كبيرة حققت للشعب الإيراني سمعةً حسنةً في البلاد وفي المنطقة. بمعنى أنَّ الشعب أثبت أنَّه شعبٌ حيّ ونشطٌ وحيويٌ، شعبٌ مع الله والله يساعده ويعينه.
لقد استأصلت الثورة الإسلامية جذور العدو في البلاد من الناحية السياسية.
حسنٌ، كلُّ ما قام به العدو في هذه الأعوام الأربعين من تحركات في مواجهتنا كان (عبارة عن) هجمات مضادة للثورة. لقد استأصلت الثورة جذور العدو في البلاد من الناحية السياسية، والعدو الآن يشنُّ الهجمات المضادة باستمرار، ويُمنى بالهزيمة في كل مرَّة. يبادر ويعمل ولا يستطيع فعل شيء. لا يستطيع تحقيق أي نجاح، والسبب هو الصمود وهذا السدّ الشعبي الوطني المنيع. هذه المرة أيضاً يقول الشعب بكل اقتدار لأمريكا ولبريطانيا ولنزلاء لندن إنكم لم تستطيعوا هذه المرة أيضاً، وسوف لن تستطيعوا في المرات القادمة أيضاً. خصَّصوا مليارات الدولارات، وهذا شيء واقعي، خصَّصوا مليارات الدولارات، وأوجدوا الشبكات طوال سنين، وأعدّوا المرتزقة ودرّبوهم من أجل إيجاد مشكلات من الداخل. ولم يكونوا يعلنون ذلك. لكنَّ المسؤولين في أمريكا اليوم، وسذاجتهم ظاهرةٌ في الشؤون السياسية، هؤلاء فضحوا أنفسهم وقالوا لا يمكن مواجهة إيران من الخارج، لذلك ينبغي تخريبها من الداخل. وهذه هي بالتالي العملية التي لا زالوا يقومون بها منذ سنين.
إعداد الشبكات والمرتزقة، وحلبُ الحكومات التابعة لهم لتسديد نفقات ذلك. يأتون إلى إحدى الحكومات الثرية في الخليج الفارسي يحلبونها ويمتصونها ليستطيعوا توفير نفقاتهم هنا وفي أماكن أخرى. يعيدون تدوير القمامة الهاربة من إيران، ويعيدونهم إلى الساحة إذا أمكن إعادة تدويرهم وإعادة إنتاجهم. أطلقوا آلاف الشبكات الافتراضية، وأسسوا عشرات القنوات التلفزيونية، وأطلقوا قنوات فضائية. وأسسوا جماعات إرهابية وأرسلوها إلى داخل الحدود سواء من جنوب شرق البلاد أو من شمال غرب البلاد. وانهالوا على رؤوس الشعب بوابل من الأكاذيب والتهم والشائعات، عسى أن يستطيعوا تغيير أفكار هؤلاء الناس، وخصوصاً شبابنا اليافعين. شبابنا الأعزاء، هؤلاء الشباب الذين لم يروا الإمام الخميني ولم يشهدوا الثورة ولم يعيشوا فترة الدفاع المقدس، ولم يروا شهداءنا الكبار المشهورين، كل ذلك من أجل التأثير على أذهان هؤلاء الشباب. فماذا كانت النتيجة؟ حججي، الشهيد حججي. هذا الشهيد العزيز الأخير من نجف آباد، والشهداء الآخرون الذين استشهدوا خلال هذه الأيام القليلة الماضية، هؤلاء كلهم كانوا من هؤلاء الشباب. تطميع بعض الأشخاص في الداخل، والنفوذ والتغلغل في بعض المواقع والأركان. وهم أنفسهم أيضاً يتدخلون بشكل مباشر. وقد لاحظتم، وسوف أقول لاحقاً، تدخلات المسؤولين الأمريكيين خلال هذه الأيام القليلة عن طريق هذه الشبكات الإنترنتية وما شابهها. لكنهم لم يفلحوا أيضاً. لقد أخفقوا رغم كل هذه المساعي.
أرى من اللازم أن أتقدم بالشكر لشعبنا العزيز، ويجب أن أتقدم بالشكر ألف مرة، لا مرة واحدة. هذا الشعب شعبٌ راشدٌ حقاً، ووفيٌّ، وذو بصيرة وهمّة، وعارفٌ بالزمن والتوقيت واللحظات، ويعلم متى هي لحظة التحرك. بدأت تلك الأحداث في مشهد يوم الخميس (1)، وفي يوم السبت خرجت تلك المظاهرة العجيبة التي ربما لم تشهدها مشهد منذ سنين بهذا الحماس والهياج. وبعد ذلك عندما كانت هناك أعمالٌ متفرقةٌ أخرى طوال يوم أو يومين، وكلكم مُطَّلعون عليها، بعد ذلك خرجت المظاهرات منذ الثالث عشر من دي إلى السابع عشر من دي طوال خمسة أيام متتالية، ما يدلُّ حقاً على وفاء الشعب ومعرفته باللحظة المناسبة، فهم يعلمون ما الذي يريدون فعله في كل وقت. والآخرون بالتالي تصلهم هذه الرسائل. نعم، في إعلامهم يُظهرون مئات الأشخاص من المخربين ومثيري الشغب وكأنهم آلاف الأشخاص. بينما يُظهرون حركات الشعب المليونية في المسيرات وكأنها حركة جماعة (صغيرة) أو حركة عدة آلاف من الأشخاص. هكذا يطرحون القضية في إعلامهم، وهكذا يقولون، لكنَّهم يدركون الحقيقة، إنّهم يعون (الحقيقة). زعماؤهم السياسيون يرون الحقيقة لكنَّهم يكتمونها؛ بمعنى أنَّ الشعب يفعل فعله ويترك تأثيره ويبثُّ رعبه في قلوب ساسة العدو بتحركاته العظيمة هذه. لقد بلغ الشعب ببصيرته الذروة حقاً، الحقيقة هي أنَّ الشعب ارتفع ببصيرته وتحفزه إلى الذروة، وأظهرها خلال هذه الأيام.
الشعب يفعل فعله ويترك تأثيره ويبثُّ رعبه في قلوب ساسة العدو بتحركاته العظيمة هذه.
أما تحليل ذلك، أطلقت خلال هذه الأيام تحليلات متنوعة من قبل أشخاص وتيارات مختلفة، وفي الصحف، وفي شبكات الإنترنت، فيما يتعلق بهذه الأحداث، وقد كانت هناك في هذه التحليلات نقطة مشتركة تقريباً، وهي نقطة صحيحة، ألا وهي الفصل بين مطالب الشعب الصادقة المُحقَّة وبين التحركات الوحشية والتخريبية لجماعةٍ ما. هذا ما ينبغي الفصل بينه. أنْ يُحرم إنسانٌ من حق ويعترض أو أن يأتي هؤلاء المعترضون سواء كانوا مائة شخص أو خمسمائة شخص إلى مكان ما يتجمعون فيه ويقولون كلامهم، فهذا شيء، وأنْ يُسيئ البعض استغلال هذا التجمع وهذه الحوافز فيشتمون القرآن ويشتمون الإسلام ويُهينون علم البلاد ويحرقون المساجد ويُخرِّبون ويحرقون فهذا كلامٌ آخر. هاتان مقولتان (مختلفتان) ويجب عدم الخلط بينهما. هذه المطالب الشعبية وهذه الاعتراضات الشعبية في هذه البلاد كانت موجودة دائماً وهي موجودة اليوم أيضاً. هذه البنوك والصناديق (المالية) التي فيها مشاكل أو بعض المؤسسات المالية ذات المشاكل مثلاً، كانت هناك بعض الأجهزة فيها مشاكل وتسببت في عدم رضا الناس، بعض الناس، والأمر الآن له سنة، وربما أكثر من سنة. لدينا علمٌ بذلك، وغالباً ما تصلنا الأنباء. يتجمعون في المدينة الفلانية مقابل المؤسسة الفلانية ومقابل مبنى المحافظة ومقابل مجلس الشورى الإسلامي هنا، توجد مثل هذه الأمور، فهي موجودة الآن وقد كانت موجودة دائماً، ولا أحد يعترض على هذا أو يخالفه. ويجب متابعة هذه المطالب والإصغاء لها وسماعها والاستجابة لها في حدود القدرة والاستطاعة. قد يكون بين المطالب إذا كانت عشرة مطالب قد يكون اثنان منها غير صائبين، لكن تلك الصائبة والصحيحة يجب علينا متابعتها، يجب علينا جميعاً، ولا أقول يجب عليهم متابعتها، فأنا نفسي مسؤولٌ أيضاً، وكلنا يجب أن نتابعها. وسوف يكون لي كلامي الذي أخاطب به المسؤولين خلال كلمتي، وسوف أقوله. لكنَّ هذا لا علاقة له بأن يأتي البعض ويحرقوا علم البلاد أو يأتي أشخاصٌ يستغلون تجمع الناس فيطلقوا الشعارات ضد معتقدات الناس ويصرخوا ضد القرآن وضد الإسلام وضد نظام الجمهورية الإسلامية.
يجب علينا جميعاً متابعة مطالب الناس المُحقَّة، ولا أقول يجب عليهم، فأنا نفسي مسؤول أيضاً، وكلنا يجب أن نتابعها.
وأقولها لكم، لقد كان هناك مثلثٌ نشطٌ في هذه الأحداث، والأمر لا يتعلق باليوم والأمس، بل كان الأمر منظماً ومخططاً له. كلُّ ما أقوله له قرائنه المخابراتية، وبعضها علنية، ومن كلامهم هم أنفسهم، وبعضها مستخلصةٌ من قنوات وطرق مخابراتية. كان هناك مثلث نشط. والمخطط يعود للأمريكيين والصهاينة، فهم الذين رسموا المخطط، وهم يخططون منذ عدة أشهر. أن نأتي إلى المدن الصغيرة ونبدأ منها وننتقل إلى المركز ونفعّل الناس ونحرّضهم بخصوص مطالبهم ونزيد من هِياجهم وحرارتهم، هذا مخططٌ رسموه وخططوه، وهم يعملون على هذا المخطط منذ شهور، والمخطط من فعل الأمريكين وعناصر الكيان الصهيوني. والمال من إحدى هذه الحكومات فاحشة الثراء في أطراف الخليج الفارسي. وهذه الأعمال مكلفةٌ طبعاً، ويجب أن ينفقوا الأموال. والأمريكيون غير مستعدين لإنفاق المال عندما يكون هؤلاء موجودين، فدفع هؤلاء المال. هذان ضلعان، أما الضلع الثالث فهم العملاء والمنفذون، وقد كان التنفيذ والجلبة على عاتق منظمة المنافقين (منظمة مجاهدي خلق الإرهابية)، منظمة المنافقين المجرمة. هؤلاء كانوا العملاء المأجورين. كانوا مستعدين منذ شهور. وسائل إعلام المنافقين نفسها اعترفت في هذه الأيام وقالت إننا كنا على ارتباط بالأمريكيين منذ عدة شهور في إطار هذه القضية بأن يكونوا هم العملاء والمنظمين والمنسقين ومن يلتقون هذا وذاك، ومن يعملون على أشخاص في الداخل ويجدونهم ليساعدوهم حتى يأتوا ويثيروا الناس. وهم الذين دعوا ونادوا، وأنْ يطلقوا شعار «لا للغلاء». وهذا شعار يروق للجميع. يجتذبون عدداً من الناس بهذا الشعار، ثم يأتون هم أنفسهم بين الناس وينفذون أهدافهم المشؤومة ويجرُّون الناس وراءهم. هذا كان الهدف.
مخطط الأحداث الأخيرة التي شهدتها الجمهورية الإسلامية من فعل الأمريكين وعناصر الكيان الصهيوني.
الشيء الذي قام به الشعب هنا هو: في البداية جاء البعض، ولم يكن عددهم عدداً كبيراً طبعاً، ولكن بمجرد أن لاحظوا ما هي أهداف هؤلاء وبمجرد أن تبينت شعاراتهم فصل الناس الصفوف. نفس أولئك الذين شاركوا يوم الخميس والجمعة في التجمعات المطالبة بـ «لا للغلاء» وما شابهها، هؤلاء أنفسهم جاؤوا يوم التاسع من دي وشاركوا في مظاهرات الشعب العظيمة، ورفعوا الشعارات ضدهم، ضد أمريكا وضد المنافقين. لقد فصل الناس صفوفهم. لقد شكلوا (الأعداء) مقرين للقيادة في جوار إيران. أحدهما اعترفوا به هم أنفسهم، وهذه اعترافاتهم هم وليس ما نقوله نحن، بل أولئك الذين يفضحون الكلام (يكشفون الحقائق والأسرار) في وسائل الإعلام ويتحدثون في المقابلات ويقولون بعض الأشياء، هم قالوا إن هناك مقرين لقيادة العمليات للفضاء الافتراضي وإدارة الاضطرابات تشكلت في جوار إيران من قبل الأمريكيين وعناصر الكيان الصهيوني. هذا ما اعترفوا به هم أنفسهم. أي إنهم أعدّوا كل شيء مسبقاً، وقد كانوا يتصورون أنَّ النصر سيكون حليفهم مسبقاً. «الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى». الشكر لله، رغم كل هذه الأحداث المتتابعة لم يعرفوا بعد، ولم يدركوا بعد ما معنى هذا السدّ المنيع المتين من الإيمان الوطني والصمود الوطني والشجاعة الوطنية. لم يصلوا إلى أعماقها. ثم إذا بهؤلاء المخدوعين المساكين التعساء المخزيين في الداخل قالوا «روحي فداءٌ لإيران» من جهة وأحرقوا علم إيران من جهة أخرى! عديمو العقول لم يدركوا أن هذين الأمرين لا ينسجمان مع بعضهما البعض. قالوا «روحي فداءٌ لإيران»، حسنٌ، أسأله تعالى أن تكونوا فداءً لإيران (2) ولكن منذ متى تقفون أنتم -بهذه الأشكال والأزياء العجيبة- بوجه أعداء إيران؟! الذين وقفوا بوجه عدو إيران هم أيضاً هؤلاء الشباب المتدينون الثوريون المنتمون لخط حزب الله. مَن كان أولئك الثلاثمائة ألف شهيد في فترة الدفاع المقدس؟ وبعد ذلك من كانوا الشهداء الذين قدَّمناهم؟ هؤلاء الشباب المؤمنون الثوريون الذين دافعوا عن بلادهم مقابل أعداء الثورة ومقابل المعتدين الخارجيين ومقابل أمريكا. متى ذهبتم أنتم فداءً لإيران حتى تقولوا «روحي فداءٌ لإيران»؟ وعندما يقولون «روحي فداءٌ لإيران» يحرقون بعد ذلك علم إيران! أليس هذا دليلٌ على عدم العقل، أليس هذا دليلٌ على السذاجة وعدم النضج؟
أمريكا غاضبةٌ من الشعب الإيراني وغاضبةٌ من الدولة الإيرانية ومن الثورة في إيران. لماذا؟ لأنها هُزمت على يد هذه الحركة العظيمة.
أما أمريكا، أمريكا غاضبة، وهي غاضبة بشدة. غاضبة مِن مَن؟ ليست غاضبة مني فقط، بل هي غاضبة منكم أيضاً. إنها غاضبة من الشعب الإيراني، وغاضبة من الدولة الإيرانية، وغاضبة من الثورة في إيران. لماذا؟ لأنها هُزمت، هُزمت على يد هذه الحركة العظيمة. وقد لجأ المسؤولون الأمريكيون الآن إلى إطلاق الترّهات واللغو. يقول الرئيس الأمريكي «إنَّ الدولة الإيرانية تخاف من شعبها»، لا، الدولة الإيرانية وليدة هذا الشعب، وملكٌ لهذا الشعب، وقد ظهرت إلى الوجود بواسطة هذا الشعب، وهي تستند وتعتمد على هذا الشعب، فلماذا تخاف؟ لو لم يكن هذا الشعب لما كانت هذه الدولة. إنَّ وقوف هذه الدولة بوجهكم لمدة أربعين سنة يعود لمساعدة هذا الشعب. الشعب هو الذي استطاع مساعدة الدولة لتتمكن من الصمود بوجهكم. يقول «إنَّ الدولة الإيرانية تخشى القوة الأمريكية». حسنٌ، إذا كنا نخشاكم فكيف طردناكم في عقد الخمسينيات [السبعينيات من القرن العشرين للميلاد] من إيران، وأخرجناكم في عقد التسعينيات [العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين للميلاد] من المنطقة كلها. يقول «إنَّ الشعب الإيراني جائع ويحتاج للغذاء» والحال أنَّ في أمريكا طبقاً لإحصائياتهم هم أنفسهم خمسين مليون جائع يحتاجون إلى الخبز اليومي، ثم يقول «الشعب الإيراني جائع»! لقد عاش الشعب الإيراني بعزة وشرف، وسوف يكون وضعه أفضل يوماً بعد يوم إن شاء الله وبتوفيق من الله وبعون الله، وسوف تعالج مشكلاتهم الاقتصادية على الرغم من أنوفهم (المسؤولين الأمريكيين).
يُبدي الرئيس الأمريكي قلقه! خلال هذه الأيام الخمسة أو الستة كان له تصريحٌ في كل يوم تقريباً (3). يُبدي قلقه من السلوك مع المحتجين كأنْ يقول: «نحن لا نعلم ماذا تفعل الدولة الإيرانية مع المحتجين». ألا تخجلون؟ إنَّ شرطتكم قتلت خلال سنة واحدة ثمانمائة شخص من شعبكم! في بلد واحد، وخلال سنة واحدة، تقتل الشرطة التي تصون أمن الشعب، ثمانمائة إنسان؟ إنَّكم أنتم من عملتم كل ما استطعتم ضد الشعب في قضية انتفاضة وول ستريت، ركلتم بأرجلكم وضربتم، وقتلتم الناس على التهمة أو على الاحتمالات. امرأة تقود سيارتها تشكُّ فيها الشرطة وتطلق النار عليها فتقتلها أمام أعين طفلها الصغير! هذه أحداثٌ تقع باستمرار وبشكلٍ متتالٍ في أمريكا.
وبريطانيا، المسؤولون البريطانيون الخبثاء يبدون قلقهم أيضاً. القاضي البريطاني في قضية الهجوم على المسلمين ودفاع المسلمين عن أنفسهم ـ التي وقعت في الآونة الأخيرة ـ حكم أنَّه إذا رفع مسلمٌ حجراً لكنه لم يرمه فيسجن أربعة أعوام، وإذا رماه يسجن سبعة أعوام! هذا هو قاضيكم. هؤلاء السادة الذين يُصدقون أحياناً القضاء الذي يشاهدونه في أفلام هوليوود، في الأفلام السينمائية ـ حيث يبثون أنَّ القاضي قال كذا والشرطة فعلت كذا ـ ويتصورون أنَّ الأجهزة القضائية الغربية هكذا، فليسمعوا هذا الكلام: القاضي البريطاني حكم بأنك إذا رفعت حجراً ولم ترمه تحكم بالسجن لأربع سنوات، وإذا رميته تحكم بالسجن لسبع سنوات. وإذا صنعت قنبلة مولوتوف ورفعتها ولم ترمها تسجن سبع سنوات أما إذا رميتها فتسجن خمس عشرة سنة. هكذا يتعاملون، وإذا بهم يبدون القلق والحرص على المعترضين في إيران لئلا يطالهم ظلم!
غايتهم النهائية معروفة، طبعاً الحكومة الأمريكية السابقة لم تكن تُعلن هذا وتقول خلافه، لكن أولئك أيضاً كان هذا هدفهم: إسقاط الجمهورية الإسلامية. كانت الحكومة السابقة تُصرُّ وتُكرر بأننا نقبل الجمهورية الإسلامية، وقد كتب (4) لي عدة رسائل وكرّر هذا الشيء دائماً في رسائله بأننا نقبل الجمهورية الإسلامية. ولكننا كنا نرى بالتالي، فالإنسان عينه مفتوحة ويلتفت للسلوك، وقد كان السلوك سلوك إسقاط. أما هؤلاء فيقولون بصراحة وبدون أية مراعاة بأننا يجب أن نُسقط الجمهورية الإسلامية. هذا هو الهدف.
حسنٌ، ما هي الوسيلة؟ دققوا جيداً في هذه النقطة! وسيلتهم سلب أدوات الاقتدار الوطني من الجمهورية الإسلامية. للاقتدار الوطني أدواته: من أهم أدوات الاقتدار الوطني عواطف الناس والرأي العام الشعبي الذي يسير باتجاه صلاح الناس والدولة وحكمتهم. هذا هو الرأي العام، ويريدون سلبه من الجمهورية الإسلامية.
من أدوات اقتدارنا الوطني ـ وأذكر هذا الشيء خصوصاً بالاسم لأنهم يكررونه كثيراً ـ تواجدنا في المنطقة، التواجد المقتدر للجمهورية الإسلامية في المنطقة من أدوات الاقتدار الوطني. إنه يُظهر الشعب مقتدراً، وهو مقتدرٌ حقاً. يريدون القضاء على هذا الشيء. ويقول أحد الرؤساء الأوروبيين (5) ـ والأمريكيون لا يتجرؤون على ذكر كلمة التفاوض معنا ـ يقول «إننا نريد أن نتناقش حول تواجد إيران في المنطقة». حسنٌ، نحن يجب أن نتناقش حول تواجدكم في المنطقة، لماذا تريدون أنتم التواجد في المنطقة. هذا من أدوات الاقتدار الوطني، ويريدون سلب الجمهورية الإسلامية هذا الشيء.
من أدوات الاقتدار الوطني قدرة البلاد الدفاعية. وهم يريدون سلب الجمهورية الإسلامية هذه القدرة. ولهذا ترون أنّهم يثيرون كل هذا الضجيج والصخب بشأن قضية الصواريخ. إذا استطاع شعبٌ أن يردّ الردّ المناسب على من يقصفه بالصواريخ من بعيد، فهذا اقتدار، والجمهورية الإسلامية تمتلك اليوم هذا الاقتدار وهم لا يريدون لها امتلاك هذا الاقتدار. يريدون سلبها أدوات الاقتدار الوطني.
من أهم أدوات الاقتدار الوطني شبابنا المؤمن، وهم يريدون سلب هذا الإيمان من شبابنا. إنهم الشباب المؤمنون الذين يتحملون (عناء) السهر والتعب في القضية النووية، وفي مجال التطورات العلمية، وفي مجال النانو، وفي باقي الميادين العلمية، من أجل أن يحققوا التقدم العلمي في نهاية المطاف. إنهم شبابنا المؤمنون المتدينون من يقوم بذلك ونحن نعرف الكثير من هؤلاء عن كثب. إنهم يريدون سلخ هذا الإيمان عن هؤلاء الشباب وسلبهم هذه الحوافز.
حسنٌ، أذكر الآن عدة نقاط حتى لا يطول كلامنا كثيراً. النقطة الأولى خطاب للأمريكيين. أولاً أيها السادة في الإدارة الأمريكية، لقد اصطدمتم بالجدار هذه المرة، وقد تعيدون الكرَّة فاعلموا أنكم سوف تصطدمون بالجدار مرة أخرى. ثانياً إنكم تسببتم في خسارة لنا طوال هذه الأيام القليلة (الماضية) وقد تتسببون في خسارة لنا في المستقبل أيضاً، فاعلموا أنَّ هذا لن يبقى من دون ثأر. ثالثاً سواء هذا الرجل الذي على رأس الحكم هناك ـ رغم أنه حسب الظاهر (رجلٌ) غير متوازن (6) ويدور الكلام في أمريكا هذه الأيام عن مشكلته النفسية وحاجته إلى طبيب نفسي وعالم نفس وما شاكل، وهذا ما سمعناه نحن أيضاً ـ أو الآخرون في الحكومة الأمريكية ومن هم حوله! سوف لن يبقى هذا الجنون الاستعراضي دون ردّ. الجمهورية الإسلامية تقف على أركانها وأصولها بقوة وتدافع عنها وتدافع عن شعبها وتدافع عن مصالحها ولا تستسلم لمنطق القوة وما شابهه. هذا عنهم وهو خطاب لأمريكا.
أيها السادة في الإدارة الأمريكية إنكم تسببتم في خسارة لنا طوال هذه الأيام القليلة الماضية، فاعلموا أنَّ هذا لن يبقى من دون ثأر.
والذين يحبون أن يجالسوا الأمريكين ويتسامروا معهم ويتصلوا بهم ـ سواء من خارج إيران أو بعض من هم في الداخل للأسف ممن قد يفكروا ويتحركوا بهذه الطريقة ـ هؤلاء أيضاً ليستمعوا لهذا الكلام الذي قلناه لأولئك السادة، وليعلموا أنَّ هذا الشعب وهذا النظام واقفٌ بصلابة وقوة وسوف يعالج بتوفيق من الله كل المشكلات وكل نقاط الضعف، وهذا النظام قادرٌ على فعل ذلك، وسوف يفعله إن شاء الله. كان هذا خطاباً للأمريكيين.
ولديّ خطابي لمسؤولينا الحكوميين ـ وهذا بالطبع يشملني أنا أيضاً ـ والعناصر السياسية، العناصر الناشطة في المجال السياسي، ومن يفكرون ويكتبون ويقولون ويتحركون، أخاطبهم وأخاطب المسؤولين الحكوميين: أولاً تحدثنا عن العدو الخارجي، وهذا الذي قلناه لم يكن تحليلات، بل كان واقعاً وأخباراً ومعلومات واطلاع، فالعدو الخارجي موجود، بيد أن هذا يجب أن لا يؤدي بنا إلى الغفلة عن نقاط ضعفنا. نحن أيضاً لدينا نقاط ضعف وإشكالات ونواقص وحالات خلل في أعمالنا في بعض المواطن. ليس الأمر بحيث أننا لا نعاني من أية مشكلة ولا يوجد في أعمالنا أية مشكلة ولا يوجد إلّا العدو الخارجي الذي يصنع المشاكل لنا، لا، الذبابة تحطّ على الجرح، فعالجوا الجرح ولا تسمحوا بحصول جرح. إذا لم تكن لدينا مشكلة داخلية فليس بوسع هذه الشبكات أن تؤثر ولا يمكن لأمريكا أن ترتكب أية حماقة. علينا أن نعالج مشكلاتنا بأنفسنا، يجب معالجة المشكلات الداخلية، يجب أن نعالج نقاط الضعف والنواقص، فلدينا نقاط ضعف. الدفاع عن حقوق المظلومين واجبنا جميعاً، وخصوصاً الدفاع عن الضعفاء وعن حقوق الشعب، وخصوصاً الدفاع عن الطبقات الضعيفة من الشعب، وعلينا جميعاً أن نُدقق. هناك طبقات مرفَّهة ولا تضغط مشاكل الحياة عليهم، ولكن ثمة جماعة مهمة في البلاد تضغط عليهم ضغوط الحياة. يجب أن تنصبّ كل هممنا وجهودنا على إخراجهم من تحت هذه الضغوط. هذا ما يجب أن نسعى إليه.
الدفاع عن حقوق المظلومين واجبنا جميعاً، وخصوصاً الدفاع عن الضعفاء وعن حقوق الشعب، وخصوصاً الدفاع عن الطبقات الضعيفة من الشعب.
النقطة الأخرى هي أن تعرف السلطات الثلاث مشكلات البلاد وتركِّز على المشكلات واحدة واحدة. لو كتبنا لائحة بالمشكلات، كأن يكون لدينا مثلاً عشر مشكلات رئيسية أو خمس عشرة مشكلة رئيسية ندوّنها على الورق. يجب أن نقسِّم العمل ونركِّز على هذه المشكلة ونخصِّص لها الوقت ونعالجها. لقد عقدتُ عدة جلسات (لمعالجة) الآفات الاجتماعية. منذ سنتين أو سنتين ونصف نعقد هنا بين الحين والآخر جلسة للآفات الاجتماعية مع المسؤولين رفيعي المستوى والأساسيين في البلاد من وزراء ونواب ومسؤولي أجهزة ومؤسسات ورؤساء سلطات وما شاكل، ونناقش المشاكل والآفات والسلبيات الاجتماعية. وقد قلتُ هناك للسادة إنه يجب تقسيم الأعمال والمهام. طبعاً في جانب من الأمور عملوا بشكل جيد -والحق يُقال- وحققوا تقدماً إلى الأمام. ركَّزوا على بعض القضايا وعملوا وتقدموا إلى الأمام. ليس لدينا في البلاد مشكلة لا تقبل الحل لنقول إنّ هذه المشكلة لا تقبل الحل، أو إن هذه العقدة لا تُحل. ليس لدينا مثل هذا الشيء، ليعلم الجميع هذا. كلُّ هذه العقد ممكنة الحل، ولكن يجب أن نُعدَّ أنفسنا أكثر ونزيد من جاهزيتنا ونعمل أكثر وبدقة أكبر.
النقطة التالية هي أن نكون كلنا يداً واحدة. ليكن مسؤولو البلاد كلهم يداً واحدة. نعم، لكل قطاع من البلاد حيّزه من المسؤولية الذي ينبغي أن يتحمل مسؤولياته فيه، ولا علاقة لذلك الحيّز الآخر بهذا الحيّز، هذا شيء نعلمه. مجلس الشورى الإسلامي، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وباقي القطاعات والمؤسسات، لكل (سلطة ولكل قطاع) مجاله ومسؤوليته، ولا علاقة له بأعمال مجال آخر، ولا يُسألون عنها، لكن هذا في الحالة العادية. عندما ترون أنَّ العدو يُهدِّدكم ـ العدو اللجوج العنيد ـ ويصنع لكم مشكلات بأفعاله وبما قاموا به في داخل البلاد، فيجب أن يتعاضد الجميع ويكونوا إلى جانب بعضهم. هذا ما أقوله للجميع، سواء لمسؤولي البلاد، أو لكل المجاميع السياسية في البلاد. ليتعاون الجميع ويجدّوا ويسعوا ويتآزروا، ولا يُضعف بعضُهم بعضاً. لا يتكلم هذا بكلام يُضعف ذاك، ويتكلم ذاك في المقابل بكلام يُضعف هذا. ليتآزروا، فالنظام واحد، نظام الجمهورية الإسلامية نظامٌ واحد. نعم، لكل واحد من القطاعات مسؤوليات منفصلة مستقلة، لكنَّ النظام نظام واحد، والسلطة التنفيذية ملكٌ لهذا النظام، والسلطة القضائية ملكٌ لهذا النظام، والسلطة التشريعية ملكٌ لهذا النظام هي الأخرى، والقوات المسلحة ملكٌ لهذا النظام نفسه، والقوى الأمنية ملكٌ لهذا النظام، والأجهزة والمؤسسات العلمية ملكٌ لهذا النظام نفسه. جميعهم (يكملون) بعضهم البعض.
النقطة التالية: ليعتبر الجميع القانون معياراً. إننا نخسر ونتضرر في ظلِّ غياب القانون. وقد لاحظتم في سنة 88 [2009 م]. لماذا تحمَّل البلد خسارة في سنة 88 ؟ في سنة 88 تحمَّلنا خسارة مادية وتعرضت سمعتنا في العالم للخطر. بسبب الخروج عن القانون. قلنا لهم تعالوا واعملوا طبقاً للقانون، فالقانون محدد. تقولون إنَّ هناك إشكالاً في الانتخابات. حسنٌ، عندما يكون هناك إشكال في الانتخابات القانونُ يحدد الموقف وكيف يجب معالجة القضية، فتعالوا واعملوا طبقاً للقانون. لم يفعلوا، ولم يخضعوا للقانون، وخرجوا عن القانون، وأوجدوا مشكلة، أوجدوا مشكلة للبلاد، وأوجدوا مشكلة لأنفسهم، وأوجدوا مشكلة للناس، أوجدوا انعداماً في الأمن ومشكلات متعددة استمرت لمدة سبعة أو ثمانية أشهر متتابعة. السبب هو عدم الخضوع للقانون. توصيتي وتأكيدي وطلبي من مختلف الأجهزة هو أن يُسلِّم الجميع للقانون.
توصيتي وتأكيدي وطلبي من مختلف الأجهزة هو أن يُسلِّم الجميع للقانون.
نقطة أخرى هي أن النقد سلوكٌ حسنٌ ولازم، والتذكير عملٌ جيدٌ وضروري، ولكن لا تقوموا بتوجيه التذكيرات والانتقادات بشكل مبالغ فيه وعلى طريقة «تحويل الحبّة إلى قُبّة». لدينا عدة آلاف من المدراء في السلطة التنفيذية. من بين هؤلاء العدة آلاف من المدراء قد يكون هناك عشرة أشخاص أو اثنا عشر شخصاً فاسدين. إذا ضخَّمنا هذه المسألة وكبّرناها وعمّمناها على كل المدراء، وسمعها شبابنا من ألسنتنا أنا وأنتم فمن حقه أن يتشاءم ويقول «يا للعجب، كل مدرائنا يعانون من هذه المشكلة». لا يا سيدي، قد يكون هناك عدة أشخاص غير صالحين من بين مئات أو آلاف الموظفين في السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية. هكذا هو الحال في السلطة القضائية أيضاً. كل هؤلاء القضاة الشرفاء والدؤوبين يعملون، نعم، لا شكَّ أنَّ هناك عدة قضاة غير صالحين، نعلم ذلك. وقد كان هذا هو الواقع في كل الأزمنة، وهو الواقع اليوم أيضاً، وهناك تصدي ومحاسبة لهؤلاء. من المقرر التصدي لهؤلاء في السلطة التنفيذية ومن المقرر التصدي لهم في السلطة القضائية، ومن المقرر التصدي لهؤلاء الأفراد غير الصالحين في السلطة التشريعة ومجلس الشورى. لنفترض أنه من بين مائتي أو ثلاثمائة نائب في المجلس لم يعمل نائب أو نائبان بواجباتهم أو ساروا بطريقة أخرى، فلا يمكن تعميم هذه الحالة. إذن، عندما نذكر وننقد ليكن نقدنا منصفاً، فلا نبالغ ولا نُعمّم ولا نحلك الأجواء ونسوّدها. تحليك الأجواء معناه أن «نصنع من الحبّة قبّة». هذا هو تحليك الأجواء وتسويدها.
النقطة اللاحقة هي أنَّ على مسؤولي البلاد الاهتمام بقضية توفير فرص العمل والإنتاج وقد أعلنَّا هذا العام عام فرص العمل والإنتاج الداخلي. هذه قضايا أساسية مفتاحية. وهذه النقطة نخاطب أكثر ما نخاطب بها المسؤولين التنفيذيين. وطبعاً قد يكون لسائر المسؤولين دورهم أيضاً. وقد أشرنا مراراً لمسؤولي السلطة التنفيذية المحترمين في خصوص قضية الاستيراد. البعض يعتبون لماذا لا ينبه فلانٌ ولا يوجّه التذكيرات. لا، إنني أُكثرُ من التنبيه والتذكير. حين ترون أنني أقول شيئاً في العلن بعض الأحيان فهذا لا يُشكِّل حتى واحد بالعشرة من تذكيراتنا وتعنيفاتنا وتحذيراتنا لهؤلاء السادة. في الاجتماعات الحكومية غالباً ما تكون لي تذكيراتي وتحذيراتي ومطالباتي بكثرة. وليس الأمر أننا غير مطلعين على الأمور. قد يقول البعض إنَّ فلاناً غير مطلع على القضية الفلانية. إنني يجب أن أكون مطلعاً على القضايا الاجتماعية والعامة الأساسية التي يطَّلع عليها الناس عشرة أضعافهم، وأنا كذلك والحمد لله. تصلنا تقارير كثيرة من مصادر مختلفة ـ من الناس والحكومة وبشكل رسمي وغير رسمي ـ فننظر فيها ونفهم القضايا والأمور ونلتفت للمشكلات. ما أنشده هو أن تتابع هذه النقاط الأساسية ويجري الاهتمام بها. ومنها قضية فرص العمل. الكثير من هذه المفاسد والآفات الاجتماعية سوف تزول إذا كانت هناك فرص عمل، فالكثير منها ناجمٌ عن بطالة الشباب. إذا أردنا أن نوجد فرص عمل فيجب أن نولي أهمية لقضية الإنتاج ونتقدم بالإنتاج الداخلي بأساليب صحيحة وسياسات دقيقة. نثر الأموال بلا حساب ولا كتاب لن يصل بنا إلى نتيجة، بل يجب أن نحسب ونعمل بصورة دقيقة. والحمد لله كون مجموعة المسؤولين في السلطة التنفيذية يسعون بهذا الاتجاه ونحو هذه الأمور ويتابعون الأمور إن شاء الله، ونحن نساعدهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وسيصلون إلى نتائج إن شاء الله.
إذا كان الشخص مجرماً حقاً فلا فرق بين أن يكون طالب علوم دينية أو طالب جامعة أو مُعمماً أو غير مُعمم أو متعلماً أو غير متعلم.
النقطة اللاحقة هي أنَّ مسؤولينا في الشرطة ومسؤولينا الأمنيين والحرس الثوري والتعبئة عملوا بواجباتهم في هذه الأحداث، وقد عملوا بشكل جيد، وقد شكرهم المسؤولون رفيعو المستوى في البلاد، وأنا أيضاً أشكرهم، ولكن ينبغي التدقيق: الشاب أو اليافع الذي يتأثر بالهياج في شبكة إنترنتية في الفضاء الافتراضي ويقوم بعمل ما أو يقول كلمة ما يختلف عن ذلك المرتبط بالأجهزة المنظمة ويُعدُّ من جملة أولئك العملاء المنفذين. فلا يحاسبوا هؤلاء بشكل واحد. والبعض طبعاً يذكرون اسم الطلبة الجامعيين، لا فرق بين الطالب الجامعي وغيره. أجواء جامعاتنا والحمد لله من أفضل وأسلم الأجواء. لدينا اليوم عدة ملايين من الطلبة الجامعيين يعكفون على الدراسة والبحث والتحقيق والعمل، ولا تعاني جامعاتنا من أية مشكلات، فإذا كان هناك عدة أفراد ورطوا أنفسهم في هذه الأحداث، فلا يجرّوا الطلبة الجامعيين اعتباطاً إلى القضية. إذا كان الشخص مجرماً حقاً فلا فرق بين أن يكون طالب علوم دينية أو طالب جامعة أو مُعمماً أو غير مُعمم أو متعلماً أو غير متعلم. ولكن ليُميز المسؤولون المعنيون بين الشخص الذي، كما قلنا، تثيره المشاعر والهياج في الفضاء الافتراضي فيفعل شيئاً أو يقول شيئاً، وبين ذاك المرتبط بالشبكات الأمريكية والمنافقين ويعمل لها. هؤلاء لا يستوون. هذه أيضاً نقطة. ينبغي التعامل بطريقة تنويرية مع الجماعة الأولى وينبغي التكلم معهم، أما الذي يقتل الناس، الذين قتلوا الناس في دورود وتويسركان وخميني شهر وخرّبوا فالكلام بشأنهم مختلف. هؤلاء غير متساوين. هذا فيما يتعلق بكلامنا مع المسؤولين.
وأقول شيئاً لشعبنا العزيز ـ وبالطبع فإنَّ كلَّ ذلك الكلام كان خطاباً للشعب أيضاً ـ أقول للشعب رضي الله عنكم فقد عملتم بشكل حسن وبصورة جيدة. طوال هذه السنين أين ما احتاج البلد نزلتم إلى الساحة بلا منّة وبلا توقعات وببصيرة. لقد تصرَّف شعبنا العزيز بشكل جيد جداً. أسأله تعالى أن يُنزل توفيقاته ورحمته وفضله على هذا الشعب. جعلتم من صدوركم دروعاً وأنقذتم هذا البلد. الشعب هو الذي أنقذ إيران. سواء في أحداث الدفاع المقدس حيث أنقذ الشعب إيران، أو في الأحداث السياسية، أو في الأمور العلمية. العلم أيضاً تقدَّم به شبابكم. كما أشرتُ، في هذه الأجهزة والمؤسسات المسؤولة عن التقدم العلمي غالباً ما يكون الذين يقومون بالأعمال العلمية من شباب الشعب، أي إنهم كلهم من شباب الشعب، من شبابكم. تواجدكم ومشاركتكم منحت البلاد سمعة حسنة. أين ما كان تواجد الشعب لازماً ـ سواء في الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط ذكرى انتصار الثورة الإسلامية)، أو في يوم القدس، أو في أحداث مثل التاسع من دي ـ يتواجد الناس ويحضرون. لقد منحتم البلاد سمعة وماء وجه. في الانتخابات وفي المظاهرات وأين ما كان تواجد الشعب ضرورياً، استطاع هذا التواجد أن يؤثر. أنتم من حافظ على ماء وجه البلاد.
الشعب هو الذي أنقذ إيران. سواء في أحداث الدفاع المقدس حيث أنقذ الشعب إيران، أو في الأحداث السياسية، أو في الأمور العلمية.
ما ينبغي أن تتنبهوا له هو أن بثَّ الإشاعات اليوم من أهم تدابير الأعداء ووسائلهم. وكما قلتُ فإن الرأي العام للشعب من بواعث الاقتدار الوطني. فماذا يفعلون من أجل تغيير هذا الرأي العام؟ ينشرون الأكاذيب ويبثون الإشاعات. أولاً لا تنشروا إشاعات العدو، فحين نسمع كلاماً لا أساس له من شخص ما فعلينا أن لا نرويه في خمسة أو ستة أماكن. فهذا هو الشيء الذي يريده العدو. إذن، لا تفعلوا هذا. لا نكرر الإشاعات المبثوثة من قبل العدو. ثم لا نُصدِّق الإشاعات. طالما لم يتوفر توثيق صحيح وفكرة منطقية معقولة فيجب عدم تصديق كلام العدو.
نقطة أخرى هي أن يعلم الجميع أنَّ مسؤولي البلاد الكبار عاكفون على العمل. أن نتصور أنَّ المسؤولين نائمون ولا يعملون فهذا خطأ. ليس الأمر كذلك، وأنا أشهد ذلك عن قرب وأراه. مسؤولو البلاد الكبار يعملون بقدر استطاعتهم، وبالطبع فإنَّ هناك حالات من القصور في بعض المواطن وهناك حالات تقصير ـ لا ننكر هذه الحالات، وأنا أيضاً لديّ قصور ولديّ تقصير فعفا الله عني ـ لكن المسؤولين يعملون ويسعون ويجدّون. أن يشيعوا أنه «لا فائدة يا سيدي، لا يستطيعون عمل شيء، ولا يمكن فعل شيء، فالأماكن والسبل كلها مقفلة»، ليست القضية على هذا النحو. بعض المشكلات في طريقها إلى الحل، وبعض المشكلات ممكنة الحل، وبعض المشكلات يحتاج حلها إلى وقت وزمن. ينبغي التنبه إلى هذه الأمور. الكثير من المشكلات عندما ينظر لها الإنسان عن بُعد يحلها بسهولة، ولكن عندما نقترب منها نجد أنها ليست بتلك السهولة. أتذكر في زمن حياة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) كان البعض يأتون إليه ويشتكون من المسؤول الحكومي الفلاني ـ وقد كنتُ رئيساً للجمهورية آنذاك، يشتكون منّي أو من رئيس الوزراء أو من الوزير الفلاني ـ ويقولون له يا سيدي إنَّ هؤلاء كان يجب أن يقوموا بالعمل الفلاني ولم يقوموا به وما شاكل. كان الإمام يستمع وعندما ينتهي كلام ذلك الشخص يقول إنَّ إدارة البلد صعبة. وهذا هو الواقع. صعبة، إنها عملية صعبة، وليست بالعملية السهلة. تحتاج إلى سعي وجدّ وإبداع وعصرنة وتحديث وتصرف في الوقت المناسب، وتحتاج إلى جاهزية جسمانية، واستعدادات عصبية. هناك مسؤولون، وكلهم تقريباً منتخبون بشكل مباشر أو غير مباشر من قِبَل الشعب، وهم يعملون، فيجب مساعدتهم. على الجميع أن يساعدوا المسؤولين ليستطيعوا إنجاز أعمال جيدة.
أنا طبعاً أقدِّم تذكيرات وتنبيهات ـ قلتُ إنَّ ما أقوله في العلن أحياناً لا يساوي واحداً بالعشرة مما أقوله للسادة في الاجتماعات الخاصة، أحياناً نُحذر، وأحياناً نتشاجر، عادةً ما نُنبه لمختلف القضايا والأمور ـ ولكن كما قلنا: بقدر الاستطاعة. وأقولها للجميع: لقد قبلتُ السيادة الشعبية الدينية بصدق. إننا نؤمن فعلاً بالسيادة الشعبية الدينية، فكلُّ من ينتخبه هذا الشعب نعتبره رئيساً ومسؤولاً ونعتقد أنَّ من اللازم مساعدته ونرى ذلك واجبنا. هكذا كان الحال مع جميع الحكومات، وكذا الحال مع هذه الحكومة أيضاً. لقد ساعدتُ جميع الحكومات. وأنا طبعاً لا أتدخل في أعمالهم الجزئية، ولا أتدخل في واجباتهم الخاصة لكنني أساعدهم. لقد ساعدتُ كلّ الحكومات، وأساعد هذه الحكومة المحترمة أيضاً.
وأملي ونظرتي لمستقبل هذا البلد مشرقة جداً. إنني أعلم أنَّ الله تعالى أراد إيصال هذا الشعب إلى أرفع الدرجات، واعلموا أن الشعب الإيراني سيصل بلا شكٍّ إن شاء الله وببركة الإسلام وبفضل النظام الإسلامي، إلى أرقى درجات يصلها شعبٌ من الشعوب في حدود الشعب الإيراني، واعلموا أنَّ مؤامرة العدو وتخريبه وهجومه وضرباته لن تؤثر إطلاقاً، فالعدو لا يستطيع ارتكاب أية حماقة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
والسّلام عليكم ورحمة اللّه.
* الموقع الرسمي لسماحة السيد علي الخامنئي (دام ظلّه الوارف )