العبادة في الحقيقة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وهي تتضمّن غاية الذلّ لله تعالى مع المحبة له. وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبيٍّ إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾.سورة الانبياء الاية 25
فالعبادة في الإسلام بالمصطلح العام، اسمٌ يُطلق على كلّ ما يصدر عن الإنسان المسلم من أقوالٍ وأفعالٍ وأحاسيس استجابةً لأمر الله تعالى وتطابقاً مع إرادته ومشيئته. ولا حصر ولا تحديد لنوع الأعمال أو الأفكار أو الأقوال، أو المشاعر التي يعبد بها الله. فالصلاة، والصدقة، والجهاد، والتفكّر في خلق الله، ومساعدة الضعيف، وإصلاح الفاسد، وأداء الأمانة، والعدل بين الناس، ورفض الظلم، وعدم شرب الخمر، ومقاطعة الربا والاحتكار...إلخ،
كل تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى. وانطلاقاً من هذا التعريف الإسلامي لمفهوم العبادة، نعلم أن العبادة في الإسلام ليست محددة بمجموعة من التكاليف والأعمال، وإنما تتّسع لتشمل كل ما يصدر عن الإنسان بدافع القربة إلى الله والاستجابة لأمره، والانتهاء عن نهيه. وعبادة الله تعالى لا تنحصر في الطقوس والممارسات التي تتعلق بحياة الإنسان كفردٍ مستقلٍّ بذاته، بل هي تشمل الحياة الفردية والحياة الاجتماعية، وتنتظم في إطار علاقة الفرد مع الله تعالى والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الآخرين، والعلاقة مع الكون.
وكل عملٍ حسنٍ يُقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة لله تعالى سواء كان فردياً أم اجتماعياً. يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ (سورة الذاريات، الآيات: 56- 58)) ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ سورة الملك، الآية: 2) أنّ الله تعالى خلق الإنسان وأحياه ثمّ أماته لأجل الابتلاء والامتحان، لكنّ الامتحان يكون من خلال الأعمال وأيّ الناس أحسن عملاً.
وأفضل الأعمال المقرّبة إلى الله سبحانه وتعالى العبادة التي أُمرنا بها، فيعود الامتحان إلى العبادة. ففي حديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه لما سُئل ما معنى قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اعملوا فكلّ ميسّر لما خُلق له. قال عليه السلام: إنّ الله عزّ وجلّ خلق الجنّ والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ فيسّر كلّاً لما خُلق له، فويلٌ لمن استحبّ العمى على الهدى" .
وهذا الحديث يُشير إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ الله خلق الناس لهدف تكامليّ هيّأ له وسائله التكوينيّة والتشريعيّة وجعلها في اختياره. وهكذا يتّضح أنّنا خُلقنا لعبادة الله الّتي تُربّي الناس وتهديهم وتوصلهم إلى السعادة والكمال، لكن المهمّ أن نعرف ما هي حقيقة هذه العبادة، فهل المراد منها أداء المراسم أو المناسك كالصلاة والصيام والحجّ، أم هي حقيقة أخرى .
المصدر: كتاب روح العبادة / نشر جمعية المعارف -بتصرف