سمو أخلاقه
لقد كان الإمام أبو محمد الحسن العسكري (ع) في معالي أخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الاسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق ، يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته ، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية .
ونقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيت(عليهم السلام)، وحقده على الإمام علي (ع) ، أمر بسجن الإمام العسكري (ع) والتشديد عليه إلاّ أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأى صاحب الحبس سمو أخلاق الإمام(ع) وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً على عقب ، فكان لا يرفع بصره الى الإمام(ع) إجلالاً وتعظيماً له ، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه .
كرمه وجوده
كان الامام العسكري (ع )معروفا بالسماحة والبذل ، وهي خصلة بارزة في سيرته وسيرة ابائه قال الشيخ الطوسي : " كان ع مع امامته من اكرم الناس واجودهم" وسجل الامام العسكري ع دورا بارزا في الانفاق والبذل في سبيل الله واعانة المعوزين والضعفاء من ابناء المجتمع الاسلامي انذاك ، رغم حالة الحصار والتضييق الذي مارسته السلطة ضده ، وكان مصدر تلك العطاءات والمساعدات الاموال والحقوق الشرعية التي تجلب اليه او الي وكلائه من مختلف بقاع الاسلام التى تحتوي علي قواعد شعبية تدين بامامته ، وكان يسد بها حاجة ذوي الفاقة علي قدر ما يزيل عنهم حالة العوز دون اسراف في العطاء والبذل ، فهو ع يقول : " ان للسخاء مقدارا ، فان زاد عليه فهو سرف".
عبادته
كان داب الامام العسكري ع التوجه الي الله تعالي والانقطاع اليه في احلك الظروف واشدها ، فقد كان يحيي الايام التي امضاها في السجن بالصيام والصلاة وتلاوة القران علي رغم التضييق عليه. قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف : « انه يصوم النهار ويقوم الليل كله لايتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة. و حينما اودع في سجن علي بن جرين ، كان المعتمد يساله عن اخباره في كل وقت ، فيخبره يصوم النهار ويصلي الليل .
وكان ع معروفا بطول السجود ، فقد روي عن احد خدمه المعروف بمحمد الشاكري انه قال : " كان استاذي اصلح من رايت من العلويين والهاشميين...كان يجلس في المحراب ويسجد ، فانام وانتبه وانام وهو ساجد". ينقل عن صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّد(عليهما السلام) ، قوله: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام الى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، ....
وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه . علمه ودلائل إمامته كان الامام العسكري ع اعلم اهل زمانه ، وقد بدت عليه مظاهر العلم والمعرفة منذ حداثة سنه ، فقد روي المؤرخون« انه راه بهلول وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون ، فظن انه يتحسر علي ما في ايديهم ، فقال : اشتري لك ما تلعب به؟ فقال : ما للعب خلقنا. فقال له : فلماذا خلقنا؟ قال : للعلم والعبادة. فقال له : من اين لك هذا؟ قال : من قوله تعالي : افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون، ثم وعظه بابيات من الشعر حتي خر مغشيا عليه.
شذرات من علوم الإمام الحسن العسكري (ع) ودلائل إمامته:
ـ عن أبي حمزة نصر الخادم قال : سمعت أبا محمد (ع) غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم ، وفيهم ترك ، وروم وصقالبة ، .. إنّ الله جلّ اسمه بيّنَ حجته من ساير خلقه وأعطاه معرفة بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأسباب والآجال والحوادث : ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.
ـ وقال الحسن بن ظريف : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما الى أبي محمد (ع) ، فكتبت إليه أسأله عن القائم اذا قام بم يقضي ؟ وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّى الربع ، فأغفلت ذكر الحُمّى ، فجاء بالجواب : سألتَ عن القائم إذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود(ع) ولا يسأل البينة ، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الرُّبع ، فأنسيت فاكتب ورقة وعلّقها على المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله :( يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم).
فكتبت ذلك وعلّقته على المحموم فبرئ وأفاق .
و للامام ع رصيد علمي وعطاء معرفي علي صعيد ترسيخ اصول الاعتقاد والاحكام والشرائع ، والتصدي لبعض الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة .
المصدر :الامام الحسن العسكري سيرة وتاريخ، علي موسي الكعبي أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)