م فسر القرآن الكريم وكذلك روايات المعصومين (ع)، العقل بالشيء الذي يفهم الإنسان بواسطته الحق ويعمل به ، فمجموعة الإدراك والعمل تسمى ( العقل ) في قاموس الدين ، والذي لا يدرك صحيحاً ليس عاقلاً ، والذي يدرك وهو عالم ولكنه لا يعمل بعلمه فهو ليس عاقلاً أيضاً .
مجموعة هاتين الفضيلتين التي بينت في الآيات بصورة العقل ذكرت في الحديث المعروف بصورة ( العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ) (1) ، الشخص الذي لا يعلم لا يستطيع كسب الجنة ، والشخص الذي يعلم ولكنه لا يعمل لا يستطيع كسب الجنة .
حقيقة ( العقل ما عبد به الرحمن ) هي خلاصة الجزم والعزم أي إذا وصل الإنسان إلى مقام الجزم بالبرهان النظري ووصل إلى مقام العزم من أثر قوة العقل يصبح ذلك العزم بإضافة هذا الجزم العقل المصطلح الذي عبر منه بـ ( يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) .
قال تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) (2)
. هذا اللسان هو علامة على أن الواعظ غير المتعظ ليس عاقلاً ، وإن كان عالماً. الذين يدعون الناس إلى البر ، أو يدرسون ، أو يؤلفون ، أو يخطبون أو يرشدون ويعظون هم علماء ولكنهم ليسوا عاقلين ، لذا يقول تعالى : إن الشخض الذي يفكر بإصلاح الآخرين وينسى نفسه ليس عاقلاً،لأنه لا هو يصبح صالحاً ولا ينجح في اصلاح الآخرين ، لأن إصلاح الآخرين ليس مجرد الأمر بالمعروف اللفظي .
بل ورد في هذا الحديث : ( كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم ) (3). أي كونوا أسوة ، عندما تعيشون في المجتمع بوصفكم علماء صالحين ، فأنتم أسوة للمتقين ، بسيرتكم ادعوا الناس إلى الأقتداء بكم ، وليس مراد الحديث الشريف أن ادعوا الناس إلى أنفسكم واكسبوا قلوبهم إليكم حتى يحبوكم .
يجب دعوة الناس إلى الله ، وواضح أن الشخص الذي لا ينبض قلبه من أجل حب الناس لا ينجح أبداً في أن يكون أسوة للآخرين . بناء على هذا إن القرآن الكريم لا يعتبر الواعظ غير المتعظ عاقلاً ، فالعقل في رأي القرآن الكريم هو مجموع العلم والعمل الذي يعبر عنه ( الإيمان والجامع ) ، والشخص إذا كان فاقداً لكليهما أو أحدهما فهو ليس عاقلاً في قاموس القرآن بل هو سفيه .
كما جاء في القرآن : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) (4). فمعيار العقل هو ان يتخلص الإنسان من الوهم والخيال في المسائل النظرية ويتخلص من سائر الشبهات والشهوات بالعزم العملي .
المصدر: جمال المراة وجلالها لآية الله جوادي آملي
الهوامش :
(1) أصول الكافي ، ج 1 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 44 .
(3) اصول الكافي ،ج2،ص77.
(4)سورة البقرة،الآية130