لغوياً الزهد يعني عدم الرغبة. والزهيد هو الشيء الرخيص الثمن الذي لا يبعث على الاهتمام .
وعدم الرغبة في الدنيا هو الزهد بالدنيا.
تبدأ الحياة الأبدية الأزلية بعد الموت . أما حياتنا على الأرض فهي مؤقتة وفانية ، وتعتبر بداية لطريق طويل على الإنسان أن يطويه . وما حياتنا الدنيوية في الواقع إلا ضمان لحياتنا الخالدة بعد الموت .
فالهدف من خلق العالم هو الإنسان ، ونسبة حياتنا على هذه الأرض إلى حياتنا ما بعد الموت كنسبة المتناهي إلى اللامتناهي .
وتتلخص رسالة جميع الأنبياء في أن " الله يدعو إلى دار السلام " . أي أن الأنبياء إنما يدعون البشر إلى الآخرة ولا يوجد إختلاف بين رسل الله. فكلمتهم واحدة ودعوتهم واحدة .
مئة وأربع وعشرون ألف نبي أكدوا جميعهم على ضرورة قطع الإنسان لكل أمل له في هذه الدنيا والتعلق بالآخرة .
فالدنيا ليست وطن الإنسان ولا يجب أن يلقي مرساته فيها ، كما أنها ليست المحطة الأبدية له.
وعلى هذا الأساس، على الإنسان أن يستغل أيامه المعدودات فيها ويتزود ويستعد لرحلة الآخرة.
وبعبارة أخرى ، فقد جئنا إلى هذه الدنيا بهدف الإتجار والتزوّد للآخرة .
والقرآن الكريم يذمّ الدنيا كثيراً لتشجيع المسلمين على الزهد وعدم التعلق بها.
الزهد الذي يعني قطع كل تعلق وأمل لنا في هذه الدنيا، والميل نحو الآخرة، واجب على كل مكلف. ومن الواجب أيضاً أن يحب المسلم الحياة بعد الموت أكثر من حياته الفانية ويمنحها المزيد من الأهمية والأرجحية .
وبطبيعة الحال، يجب معرفة الحد الواجب من الزهد. ذلك أن البعض لا يرى للزهد أي اعتبار وهذا خطأ فاحش ، فالزهد واجب على المسلم .
عن الرسول (ص) : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لاعقل له ".
فالدنيا مال من لا علم له بالثروة الحقيقية. والمسلم الذي لديه إيمان ومعرفة بالولاية وبآل البيت (ع) ، لا يهتم بالملايين التي يملكها ، ولا يراها تشكل ثروة حقيقية له . ذلك أن الثروة والذخيرة الحقيقية تكمن في ذات الإنسان.
نعم على كل مكلف الميل بقلبه إلى الآخرة . وهذا هو الحد الواجب على كل مسلم .
وفي حالات التزاحم الشرعي ، يتضح جلياً مدى تعلق القلب بالدنيا أو بالآخرة.
فعلى سبيل المثال، يريد شخص الحصول على سجادة دون موافقة صاحبها. شرعاً يحرم على هذا الشخص أخذ تلك السجادة. فلو اتصف هذا الشخص بالزهد أو الحد الواجب فيه ، فإنه سيأنف قطعاً عن المبادرة لعمل حرام ، ويغض النظر عن المصالح الدنيوية الفانية لتصلح آخرته . أما إذا قال : نستفيد منها الآن وغداً سوف تحل ، فإن قلبه متعلق في هذه الدنيا ومنافعها الزائلة .
فنحن جميعاً نعلم بأن الرحيل عن هذا العالم حتمي . ولشدة الأسف ، فإن معظم الناس يتصرّفون عكس المتوقع والمفروض عليهم. إذ يزهدون بالآخرة ويقبلون على الدنيا . والحياة بعد الموت بالنسبة لهم كأنها مجرد قصة تحكى .
وأعلى مراتب الزهد وقطع كل جذور الاهتمام والرغبة والتعلق بهذه الدنيا تتمثل في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حيث ورد عنه :" إن بيتنا في مكان آخر، ولذلك البيت نرسل ".
ومن نماذج الزهد الجميلة ، ما فعله الحرّ الرّياحي يوم عاشوراء . فقد تجاهل الحر كلياً مغريات الرئاسة ، ماء الفرات ، الطعام الفاخر ، المال والوعود التي وعده بها ابن زياد . رفض الحرّ كل المغريات التي عرضت عليه لأنه كان يعلم أن الآخرة أجدى وأبقى.
والقرار الذي اتخذه بلغ به إلى فيض الشهادة في ركاب الإمام الحسين (ع) .
نعم لقد ارتعش الحرّ وخاف وتاب، إلا أنه عمّر منزله في الآخرة.
فعلى كل مؤمن عندما يرى نفسه على وشك ارتكاب معصية ما ، أن يدرك بأن هذا هو الوقت المناسب للزهد وقطع جذور أي رغبة له في هذه الدنيا .
المصدر : كتاب الدعاء – الشهيد دستغيب.