ان أول مدرسة يتعلم فيها الطفل هي حضن الأم، فالام الصالحة تربي طفلاً صالحاً.
وأنتن ايتها النساء تحظين بشرف الأمومة.. وبهذا الشرف مقدّمات على الرجال.. انكنّ تتعهدن مسؤولية تربية الاطفال في احضانكنّ. .
وإذا ما كانت الأم منحرفة -لا سمح الله- سوف ينشأ الطفل منحرفاً في احضانها، لأن العلاقة التي تربط الاطفال بالام دونها أية علاقة أخرى. ومادام الطفل في أحضان امه، فإن كل ما يفكر به ويتطلع اليه يتلخص فيها، وينظراليه من خلالها.
ان كلام الأم وخُلقها وافعالها تترك تأثيرها في الاطفال. لا شك ان حضن الأم، الذي هو المدرسة الأولى للطفل، إذا ما كان مهذباً طاهراً، فإن الطفل ينشأ ويترعرع في سنينه الأولى على تلك الأخلاق الحميدة، وعلى هذا التهذيب والعمل الصالح.
فإذا ما رأى الطفل الاخلاق الحسنة والأفعال الصالحة والكلام المهذب فسوف ينشأ على تلك الأخلاق والأفعال بوحي من تقليده لأمّه التي هي اسمى مَن يُقلد. (1)
ليس من السهل عدّ حقوق الام الكثيرة، ولا يمكن اداؤها حقها. ان ليلة واحدة من سهر الام لطفلها، تعادل سنين من عمر أب ملتزم. ام الرأفة والرحمة التي تحملها نظرات الام النورانية، ما هي إلاّ تجلٍ لرأفة ورحمة ربّ العالمين.. لقد مزج الله تبارك وتعالى قلوب الأمهات وأرواحهن بنور رحمة ربوبيته، بما يعجز عن وصفها احد، ولن يدركها غيرهنّ.
إن هذه الرحمة الأزلية هي التي أكسبت الأُمّهات كل هذه القدرة على تحمل العذاب والمعاناة منذ لحظة استقرار النطفة في الأرحام، وطوال فترة الحمل، ولحظة الولادة، ومرحلة الطفولة إلى آخر العمر.. والمشقة والعذاب اللذين يعجز عن تحملهما الآباء ولو ليلة واحدة. وحقاً ما ورد في الحديث الشريف من ان "الجنة تحت أقدام الأمهات"(2) وقد ورد بهذا التعبير اللطيف للدلالة على سمو عظمتها ودعوة الابناء للبحث عن السعادة والجنة تحت تراب اقدامهن المباركة، والمحافظة على حرمتهن بعد حرمة الحق المتعال، والبحث عن رضا الله تبارك وتعالى في رضا الامهات وسعادتهن.
ان طفلاً صالحاً يتربى في احضانكن من الممكن ان يسعد شعباً كاملاً. اما لو كانت تربيته سيئة فقد يفسد مجتمعاً لا سمح الله. لا تتصوروا انه طفل؛ فقد ينزل هذا الطفل الى المجتمع ويحتل موقعاً على رأس المجتمع ثم يسوقه إلى الفساد(3).
ينبغي لكنّ في امومتكن تهذيب الاطفال.. كذلك في ممارستكن التعليم يجب عليكن ان تعملن على تهذيبهم.. يجب عليكن رفد المجتمع بافراد صالحين، لتجعلوا من المجتمع مجتمعاً سليماً. وان حصل العكس -لا سمح الله- فانكنّ تتحملن وزر العواقب. فكما أن كل عمل خير ستقومون به، يعود جزء من حسناته اليكنّ، لكونكن منشأ عمل الخير هذا، فكذلك إذا ما منحتن المجتمع شريحة فاسدة -لا سمح الله- وراحت هذه الشريحة تعيث فساداً بالمجتمع، فإن ضرر ذلك سيلحق بكنّ أيضاً(4).
ان هذه الأم التي يترعرع الطفل في احضانها، تتحمل اعظم مسؤولية، ولديها اشرف عمل، ألا وهو رعاية الطفل. ان تنشئة الطفل وتقديم انسان للمجتمع، هو من اشرف الأعمال في العالم.. انه الهدف الذي بعث الله تبارك وتعالى الأنبياء من أجله على مرّ التاريخ من آدم إلى الخاتم، فهم بعثوا لتربية الانسان(5).
لقد بُعث الانبياء لتربية الانسان. فهم مكلفون بأن يصنعوا من الفرد، الذي هو بشر ، انساناً، ويزكوه.. هذا هو عمل الانبياء.. ويجب أن يكون عمل الأمهات أيضاً.. ينبغي للامهات تزكية الاطفال الذين في احضانهن من خلال سلوكهن وافعالهن. في حضن الأم يتربى الاطفال أفضل من تربيتهم على يد الاساتذة. ان العلاقة التي تربط الطفل بأمه لا تربطه بأي شخص آخر.. وما يسمعه الطفل من أمّه يرسخ في نفسه ويلازمه الى آخر عمره. على الأمهات ان يحرصن على تربية الأطفال تربية صالحة طاهرة.
ينبغي ان تكون احضانكن مدرسة علمية وايمانية. وهو عمل عظيم جداً لا تقدر عليه غير الامهات. وملازمة الطفل لأمه اكثر من ملازمته للأب، والقدر الذي تتركه اخلاق الام على الطفل البريء، لا يتوفر للآخرين(6)
بامكانكنّ أن تربين اطفالاً يحفظون ميراث الأنبياء ويحققون اهدافهم. وعليكن ايضاً المحافظة عليهم وانجاب المحافظين والحراس، وهم ابناؤكن.. ربّوا مثل هؤلاء الأفراد.. ينبغي أن تكون بيوتكن مدارس لتربية الأبناء، وتخريج العلماء، ومهد التربية العلمية والدينية والتهذيب الاخلاقي.
ان الاهتمام بمصير هؤلاء الاطفال يقع على عاتق الآباء والامهات(7).
ان العطف والحنان الذي تغدقه الأم على ابنها العليل، يؤثر في تهدئة الطفل وتسكين آلامه أكثر من تأثير الدواء. فهو في تلك اللحظات بحاجة إلى من يسكّن روحه ويهدئ روعه، و الأم هي التي تمنحه الاطمئنان الروحي والسكون، ولا ينكر دور الأب أيضاً(8).
ايّتها النساء المحترمات! احرصن على تهذيب انفسكنّ واطفالكنّ.. ربين اطفالكنّ تربية اسلامية.. فالاسلام نظام متكامل.. انكنّ في احضان الاسلام، ولا بد لكنّ ان تتحلين بأخلاقه.. فالاسلام يشتمل على كل شيء. ربين اطفالكن في احضانكن تربية اسلامية.. تربية انسانية.. حتى إذا ذهبوا إلى المدرسة، كانوا اطفالاً صالحين ذوي اخلاق حميدة. وآداب حسنة(9).لذا يجدر الانتباه إلى ان هؤلاء الاطفال الذين يتربون بين ايديكن، يجب أن يتلقوا تربية دينية أخلاقية.. فإذا منحتم المجتمع طفلاً متديناً، فإن مثل هذا الطفل المتدين الملتزم قد يصلح مجتمعاً.
ان فرداً واحداً قد يصلح مجتمعاً. اما إذا تخرج من احضانكن من كانت تربيته سيئة -لا سمح الله- وكان طفلاً منحرفاً، فمن المحتمل أن يفسد مجتمعاً، وأنتن المسؤولات عن ذلك. لذا أن تربين الطفل تربية صالحة، وبذلك لكنّ من الشرف بمنزلة شرف الانبياء.
اعلمن أنه إذا ما تربى الأطفال اللذين في احضانكن، أو تحت رعايتكن تربية سيئة -لا سمح الله- فمن الممكن أن يفسدوا مجتمعاً كاملاً(10). أما لو تربى الطفل في أحضان أمه تربية صالحة وانتقل الى المدرسة. وربته المدرسة بدورها تربية صالحة وهكذا في الثانوية ثم الجامعة أو المراكز العلمية الاخرى، فقد نرى بعد برهة من الزمن ان الشباب جميعهم تلقوا تربية صالحة، ويعملون على قيادة بلادهم على طريق الصلاح والرقي(11).
المصدر: المراة في فكر الامام الخميني (قده)
1) من حديث حول دور الامهات الحساس في تربية الأبناء بتاريخ 13/5/1979.
2) كنز العمال، حديث 45439
3) من حديث حول دور الامهات الحساس في تربية الابناء بتاريخ 13/5/1979.
4) من حديث حول دور الامهات الحساس في تربية الابناء بتاريخ 13/5/1979.)
5)من حديث في جمع من العاملين في حقل التعليم والطلبة الجامعيين بتاريخ 24/5/1979) ).
6)(من حديث في اعضاء الاتحاد الاسلامي لوزارة الصحة بتاريخ 17/7/1979.)
7)من حديث في جمع من نساء فضلاء الحوزة العلمية في قم بتاريخ 26/5/1979.)
8)من حديث في جمع من الأطباء بتاريخ 26/5/1979)
9)من حديث في جمع من نساء دزفول بتاريخ 11/6/1979.)
10)من حديث في جمع من نساء دزفول بتاريخ 11/6/1979.)
11)من حديث في اعضاء الاتحاد الاسلامي لوزارة الصحة بتاريخ 17/7/1979.)