• أوجه الإعجاز القرآني
إنّ معجزة القرآن الكريم مستمرة وخالدة، وذلك من عدة أوجه:
أوّلا / من حيث فصاحته وبلاغته التي أخرست البلغاء والفصحاء ، لا في عصر نزوله خاصة ، بل في جميع الأزمنة والدهور ، وأعجزتهم عن معارضته ، وتحدّتهم في معاقلهم ، وعقر دورهم.
ثانياً / من حيث احتوائه على أفضل القوانين والنظم ، وأرقى التشريعات في جميع المجالات الحيوية ، وإتيانه بما عجز عن الإتيان به أرقى الحضارات البشرية حتى يومنا هذا.
ثالثاً / من حيث إخباره بالاُمور المستقبلية واحتوائه على الاُمور الغيبية ، إذ أخبر
عن وقائع وحوادث مستقبلية تحقّقت بعده حرفاً بحرف.
رابعاً / من حيث سلامته عن التناقض والاختلاف في النظم والاُسلوب ، وفي المعنى والمضمون رغم تدرّجه في النزول على النبي "ص" وتنزّله في ظروف مختلفة متباينة كيفاً وحالاً ، وخلال ثلاث وعشرين سنة محفوفة بالمشاكل الجسيمة ، والتطورات العنيفة.
خامساً / من حيث تناوله الدقيق للوقائع التاريخية الماضية ، حيث قصّها على نحو خال عن شائبة الأساطير والخرافات ، وهو أمر يمكن معرفته بمقارنة القرآن الكريم مع التوراة والإنجيل.
سادساً / من حيث اشتماله على إشارات رائعة عميقة إلى حقائق كثيرة من العلوم الطبيعية التي توصّل إليها العلم الحديث ـ في هذا العصر ـ بفضل الجهود الطويلة المضنية ، وبواسطة المختبرات ، والوسائل العلمية والتجارب والاختبارات العديدة.
سابعاً / من حيث قوّة احتجاجه على خصومه ومعارضيه ، وما جاء به من حجج لم يسبق لها نظير في علم المناظرة والاحتجاج وكانت ـ ولا تزال ـ أنجح الحجج في إفحام الخصوم وإسكات المجادلين ، والمشكّكين ، بل وهدايتهم في أغلب الأحيان.
ثامناً / من جهة ما جاء به في مجال الأخلاق والتربية الأخلاقية للفرد والمجتمع حيث استقصى الأخلاق الفاضلة وحثّ على التزيّن بها بما توجبه الحكمة من البعث والترغيب ، وأحصى الأخلاق الرذيلة وزجر عن التلوّث بها بما توجبه الحكمة ، ويقتضيه الاصلاح من التخويف والتنفير وسلك في ذلك كلّه طريقة فريدة لها أبلغ الأثر حتى في أشد القلوب قساوة.
تاسعاً / من حيث روحانيته البالغة التي تنفذ إلى الأعماق ، وتأخذ بمجامع القلوب ، وتستميل المشاعر ، فإذا بآياته روح تحيا بها نفوس الخلق ، ونور يضيء الوجود الإنساني كما تضيء الشمس الآفاق ، فتنشط الأحياء ، وتتحرك الطبيعة..
عاشراً / من حيث تناوله لأدق المعارف العقلية ، والقضايا الاعتقادية الرفيعة التي لا تصل إليها أفكار البشر ، ولا تبلغها علومهم ، ممّا يتعلّق بالله سبحانه وصفاته وأسمائه وأفعاله ، وما أخبر به من عوالم غيبية في الملأ الأعلى ، والنشأة الاُخرى إلى غير ذلك من الجهات والوجوه التي يقصر البيان عن الإحاطة بها، وإحصائها في هذا المختصر.
* من كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني