نسمع في بعض الأحيان بأن ا بعض العائلات تقول بأن مهور فتياتهم تربو على المليون، والمليونين، والثلاثة ملايين، ولكن الحال الحاضر يقول أكثر من ذلك فقد سمعنا بأن المهور طغت عليها صبغة ثورية على أيامنا هذه، وإن بعض المتدينين قد وضع مهراً لابنته يتجاوز المائة وأربعة والعشرين ألف سكّة ذهب تيمناً بالمائة والأربعة وعشرين ألف نبي ورسول!! وهذا مما يجعل الشاب يهرب من الزواج بعيداً. إن الكثير من الفقهاء يشكلون على المهر، ويرجعون ذلك إلى نظر الشرع المقدس، أي لو اتفق أن يتقدم شخص لا يملك شيئاً فهل يمكن أن يقبل في ذمته مليوناً؟.
إن أغلب الفقهاء يقولون إن الشخص الذي لا يمتلك شيئاً لن يتأتى له أن يقبل مليوناً في ذمته، ويقول بعض الفقهاء إن الذمة واسعة، ومن لم يكن لديه مليون، لا يمكن أن يستحصل أحدٌ منه شيئاً، ولكنها ستبقى في ذمته. قال رسول الله (ص) بصدد المهر: " تياسروا في الصداق، فإن الرجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة" إن فلاناً من الناس يحاول ربط هذا الفتى بمهر ثقيل كي يبقي على ابنته، ولو كان الفتى غير منسجمٍ مع تلك الفتاة، غير محب لها بالرغم من أنه يصرف لها ما تريد من الأموال، وهذا ما تريده أنت أيضاً، ويسمح لها بالذهاب أينما شاءت، وهذا ما يوافق هواك أيضاً، لكنه لا يتعامل مع ابنتك مثلما يتعامل الزوجان المحبّان، فتراه على سبيل المثال غير مجامل لابنتك كونه لا يحبها، ولا ينسجم معها، فما العمل حينذاك؟ وما الذي تستطيع فعله كي تجعل هذا الرجل يحبّها؟ إنّه لا يضربها، ولا يشتمها، لكنه عبوس، لا يرغب بالتحدث إليها بالمرة.
وبمرور الأيام ستشعر البنت بأنها في زنزانة انفرادية، وما إن تمضي السنة حتى نسمع تلك البنت تقول: أخرجوني من هذه الدار، سأتنازل عن كل شيء في سبيل أن يطلقني، وإن صداقي حلال له مقابل حريتي التي سلبت. لذا، أيها الآباء، أيتها الأمهات! إننا لا نوافق على تزويج فتياتكم بدون مهر، ولا نوافق أيضاً على تزويجهن بالملايين والمليارات، اجعلوا الأمر وسطاً فلا بأس من أن يكون المهر، نسخة من كتاب الله المجيد، وبضعة مسكوكات ذهبية بحيث لا تتجاوز الخمس، لا إفراط ولا تفريط. قال أمير المؤمنين عليّ (ع): (لا يرى الجاهلُ إلاَّ مفرِطاً أو مُفَرِّطا). إن على المتقدم للخطبة أن يراعي شأن الفتاة، مثلما ينبغي للفتاة مراعاة شأن الفتى الخاطب، وما هو مقدار شأن الفتى أو شأن الفتاة؟.
إن الكثير من الأسر تساهم في توجيه ضربة روحية إلى الفتى والفتاة منذ الليلة الأولى التي جاء فيها الخاطب، لتصل في النهاية إلى كراهية ظاهرية ظانّين بأنهم يبيعون منزلاً فهذا يقول كم سعر هذه الدار، وآخر يقول إن الثمن عالٍ جداً ولا بأس من تخفيضه قليلاً، ليصلوا في النهاية إلى تعيين القيمة الأصلية لتباع الدار، ويستلم المبلغ. أما بالنسبة للخطوبة، فالأمر على أيامنا هذه لا يختلف كثيراً عن وضعية بيع وشراء الدار. يجلس أهل العروس في مواجهة أهل العريس، فيسأل أهل العريس عن قيمة المهر؟ فيقال لهم: مليار! فيجيبون: ما الذي حدث؟ خفضوا الثمن قليلاً!. وقد تحتد لهجة الحديث في بعض الأحيان، لتبرز حالة من التجريح في البين الأسري، وقد تصل تلك الحالة إلى قمتها فتكسر أركان المحبة التي كان يحملها الفتى لتلك الفتاة، والمحبة كما تعلمون مثلها كمثل الزجاجة إذا كسرت صعب التئامها.
يتفق الجميع على الثمن، ويشرب العروسان عصير الفرح، ولكن يبقى شيء لا يمكن أن ينسى على مدى الدهر، ألا وهو عداوة أم العريس للعروس وأهلها، هذه العروس التي تسببت في أن يكون المهر بهذه الكيفية المضرة بابنها، وعندها لا يمكن أن تستقيم حياة تلك العروس ما دامت ترى أم عريسها المختلفة معها في كل شيء.
الهوامش :
[1] كنز العمال/ ح44731.
[1] نهج البلاغة/ الحكمة رقم 67.
المصدر:يراجع: كتاب الأستاذ مظاهري: كتاب الأخلاق البيتية، موضوع موانع الزواج.