كيف نمتلك الروح العلمية ؟
تعتبر مسألة العلم والتعليم من الأمور التي حث عليها الإسلام من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة . وقد ورد عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: "بالتعليم أرسلت" في تلك القصة المعروفة من أنه دخل المسجد ورأى حلقتين من الناس إحداهما مشغولة بالعبادة والأخرى مشغولة بالتعليم والتعلم، فقال: كلاهما على خير، ولكن " بالتعليم أرسلت "، ثم أقبل نحو الحلقة المشتغلة بالتعليم والتعلم وجلس فيها.
وكلما كان العلم هدفاً يكون واجباً مثل أصول العقيدة . ولو لم يكن هدفاً، فإن توقف عليه هدف من الأهداف الإسلامية كان واجباً من باب وجوب المقدمة. فمثلاً يجب علينا أن نصلي، ولكن الذي يريد أن يصلي صلاة صحيحة لا يمكنه ذلك ما لم يتعلم مسائل الصلاة.
وكل وظيفة من الوظائف الإسلامية تتوقف على علم، يكون ذلك العلم واجباً. فتعلّم المسائل الروحية والأخلاقية مقدمة لتزكية النفس.
هناك فرق بين كون الشخص عالماً وبين امتلاكه الروح العلمية .
إن العالم الحقيقي هو من كانت روحه العلمية مقترنة بعمله. لكن ما هو المقصود من الروح العلمية؟
المراد هو: أن العلم أساساً ينبثق من غريزة حب الاستطلاع. فقد خلق الله الإنسان باحثاً عن الحقيقة، أي أن الإنسان يريد أن يفهم الحقائق كما هي، وأن يعرف الأشياء على ما هي عليه ويدركها، ويتطلب هذا أن يكون الإنسان ذاته حيادياً تجاه الحقائق، يريد أن يكشف الحقيقة كما هي، لا أن تأتي الحقيقة بالنحو الذي يريده هو، فهو في هذه الحال يمتلك روحاً علمية.
إن احتفظ الإنسان بحياده تجاه الحقائق ـ وهو أمر عسير جداً ـ فسيهديه الله، فقد ضمن الله تعالى أن يهدي الأشخاص الذين يبحثون عن الحقيقة بلا غرض في القلب: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) .
الروح العلمية هي روح طلب الحقيقة،
إنها الروح غير المتعصبة الخالية من الجمود والغرور . فالعالم ينبغي أن لا يكون مغروراً ويتصور أن ما لديه هو العلم بأجمعه، بل عليه أن يلتفت دائماً إلى قاعدة (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) ، وأن يلتفت إلى أن ما يدركه من الحقائق قليل جداً . يقول الطلبة: (نحن أبناء الدليل، حيثما مال نميل) ـ طبعاً هذا ادعاء، فما أكثر الذين هم ليسوا كذلك _ والدليل هو الذي يثبت المدعى .
وفي مقابل ذلك قد يذهب الإنسان من المدعى إلى الدليل، أي أنه يتخذ موقفاً منذ البدء ثم يبحث له عن دليل، وستكون أدلته طبعاً مجانبة للواقع ومنشأ للضلالة.
إن العلماء الذين يمتلكون الروح العلمية يكون غرورهم قليلاً جداً ـ أو لا غرور لديهم أصلاً ـ نسبة إلى الذين لا حظّ لهم من الروح العلمية، وقد حفظوا بضع كلمات يتصورون أنها جميع العلم، ففي الحديث: (العلم على ثلاثة أشبار، إذا وصل إلى الشبر الأول تكبر وإذا وصل الشبر الثاني تواضع، وإذا وصل إلى الشبر الثالث علم أنه لا يعلم شيئاً). فإذن في التعليم والتربية ينبغي أن يزود المتعلم بالروح العلمية، أي لا ينبغي الاهتمام فقط بأن يكون عالماً، بل لابد أن يوجه ليكون باحثاً عن الحق، عارياً من الأمراض التي تحرف الإنسان عن الحقيقة كالتعصب والجمود والغرور والتكبر، فجميع هذه يجب تجنبها لينشأ المتعلم على الروح العلمية. المصدر :
المصدر: كتاب التربية والتعليم – الشهيد مطهري.