1- الرغبة والطلب الجدي:
أن تتملك وجود الإنسان الرغبة والطلب الجدي، حيث تصبح كل شرائح وجوده وخلاياه معبرة عن طلبه، ويتحول ما يريده، ويرغب فيه، إلى حاجة حقيقية. وهناك فرق كبير بين تلاوة الدعاء والدعاء الحقيقي، فإذا لم يواكب قلبه لسانه، ولم ينسجم معه، فلا يعد ما يدعو به، دعاء حقيقيًا وجديًا، فلا بد أن ينبثق الطلب والاحتياج، ويتدفق من أعماق الإنسان، بصورة جدية وحقيقية، لا بد أن يبدو الاحتياج الحقيقي في كيان الإنسان كله ..... (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)
2- الثقة بالاستجابة:
وتعني الإيمان واليقين، الإيمان بالرحمة اللامتناهية لذات الباري، الإيمان بأنه تعالى لا يمنع من فيضه أبدا ولا يبخل به على أحد ، الايمان بأن باب الرحمة الإلهية لا يغلق على عبدٍ أبدًا، وإن النقص والقصور - إذا كان - فهو من جانب العبد نفسه، وفي الحديث (إذا دعوت فظن حاجتك بالباب)
والإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في الدعاء المعروف بأبي حمزة الثمالي، يخاطب الله تعالى: (اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة، ومناهل الرجاء لديك مترعة، والاستعانة بفضلك لمن أملك مباحة، وأبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة، ... وان الراحل إليك قريب المسافة وأنك لا تحجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الآمال دونك.
3- أن لا يخالف السنن التكوينية والتشريعية:
ويشترط في الدعاء أن لا يكون مخالفًا لنظام التكوين والتشريع، أمثال المطالبة بالخلود في الدنيا، أو بقطع الرحم، فإن مثل هذا الدعاء لا يقبل الاستجابة، أي أن هذه الأدعية لا تكون تطبيقات حقيقية للدعاء.
4- مجانسة شؤون الداعي كلها مع الدعاء:
ويشترط أيضًا، أن تكون شؤون الداعي كلها، وشتى مجالات حياته، وإبعادها، متناغمة مع الدعاء ومواكبة له، فلا بد أن تكون جميعها متطابقة، بدورها أيضًا مع أهداف التكوين والتشريع فالقلب لا بد أن يكون نظيفًا وطاهرًا، ولم يسلك لمعيشته طرق الحرام، ولا يحمل على عاتقه وزرًا ومظلمة لأحد، وفي حديث عن الأمام الصادق (عليه السلام): (إذا أراد أحدكم أن يستجاب له فليطلب كسبه وليخرج من مظالم الناس أن الله لا يرفع إليه دعاء عبد وفي بطنه حرام أو عنده مظلمة لأحد من خلقه).
5- أن لا يكون مطلوبه من آثار الذنوب:
أن لا تكون حالته الراهنة التي يحلم بتغييرها إلى حياة أفضل، بالدعاء، قد حصلت نتيجة عصيانه، وتهاونه في ممارسة وظائفه وتكاليفه، فيجب أن لا تكون الحالة التي عليها الداعي، والتي يدعو من أجل تغيرها، عقوبة في حقه، ونتيجة منطقية لما اقترفه من ذنوب، واستهانة بوظائفه، فإن حالته حينئذٍ لا تتغير بالدعاء وحده، بل لا بد أن يتوب، ويستغفر، ويزيل كل أسباب الحالة الراهنة وعواملها. وهكذا الأمر بالنسبة لمن يستسلم للبطالة والكسل، فلا يعمل شيئًا، بل كل ما يفعله هو الدعاء، فإن هذه الحالة مخالفة للسنن التكوينية والتشريعية. يقول الأمام علي (عليه السلام): (الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر) فلا بد أن يضم العمل للدعاء، لأن كل واحد منهما يكمل الآخر.
6- يلزم أن لا يحل الدعاء محل العمل:
أن يكون الإنسان محتاجاً واقعاً، ويتحقق ذلك في المجال الذي لا يمتلك فيه الإنسان أي وسيلة وسبيل للوصول لمطلوبه، حيث يكون عاجزاً عن التوصل إليه، وأما لو وضع الله تعالى، في يده، مفتاح حاجته، ولكنه كفر بتلك النعمة الإلهية، وتجنب استخدام هذا المفتاح ثم يطلب من الله أن يفتح له تلك الباب التي يمتلك مفتاحها، حتى لا يتحمل عناء استخدام المفتاح، فمثل هذا الدعاء لا يقبل الاستجابة.
ومثل هذه الأدعية، يلزم عدها من الأدعية المخالفة للسنن التكوينية، إن الإنسان يستهدف من الدعاء تحصيل القدرة، والدعاء في مثل هذه الحالة التي تتوافر فيها القدرة لدى الإنسان، من قبيل تحصيل الحاصل، وقد أشير لهذه الفكرة، في بعض الروايات التي وردت عن أئمة الدين (عليهم السلام).
فقد (روى جعفر بن إبراهيم عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: أربعة لا يستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك في الطلب؟ ورجل كانت له امرأة فاجرة، فدعا عليها، فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهم ارزقني، فيقال له ألم آمرك بالإصلاح (بالاقتصاد) ثم قال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) ورجل كان له مال فأدناه رجلاً ولم يشهد عليه فجحده، فيقال له: لم آمرك بالإشهاد).
ومن الواضح أن عدم الاستجابة لا تختص بهذه الأربعة، فإنها قد ذكرت من باب المثال، فإذا تمكن الإنسان من التوصل لأهدافه بواسطة العمل والتدبير، ولكنه قصّر في ذلك، ويرغب في أن يحل الدعاء محل عمله، فإن ذلك لا يتحقق أبداً. فالدعاء لم يشرع حتى يتخذ موقع العمل، بل الدعاء مكمل للعمل، ولا يحل محله.
المصدر: الدعاء، الشهيد مرتضى مطهري