{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110).
تشير هذه الآية إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر عام في المجتمع، وهو يشتمل على شرائط ونكات من جملتها:
- إن «خير أمة» ليست شعاراً، إنما تكون بالإيمان، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا خير في الأمة - الساكتة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ... تَأْمُرُونَ... وَتَنْهَوْنَ}.
ـ إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو معيار امتياز الأمم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}.
-يتحقق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما يكون المسلمون بشكل أمّة، يعني عندما تكون لهم - الحاكمية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}. عندها يتحملون مسؤولية إصلاح تمام المجتمعات البشرية {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
ـ الأمر بالمحاسن من دون مكافحة الفساد فائدته قليلة {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
في الأمر بالمعروف لا دور للعمر أو للمنطقة أو للعِرق أو للثقافة والمستوى الاقتصادي والاجتماعي {خَيْرَ -5 أُمَّةٍ... تَأْمُرُونَ... وَتَنْهَوْنَ}.
يجب على المسلمين أن يأمروا وينهَوا من موقع القوّة لا من موقع الضعف والالتماس {تَأْمُرُونَِ}.
الأمر بالمعروف مقدّم على النهي عن المنكر {تَأْمُرُونَِ... وَتَنْهَوْنَ }.
-يمكن للأمر والنهي أن يؤثِّرا إذا كانا منطلقين من الإيمان {تَأْمُرُونَ، وَتَنْهَوْنَ، وَتُؤْمِنُونَ}.
دليل عشق العقيدة والناس
إن الأمر بالمعروف دليل العشق للمذهب والعقيدة، والعشق للناس، وحب سلامة المجتمع، كما أنّه غير مرتبط بعمر خاص، هو علامة على حريّة التعبير، والغيرة الدينية، والارتباط الودّي بين الناس، وهو علامة الفطرة اليقظة، والرقابة العامة، والحضور في الساحة.
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر سببٌ لتشجيع المحسنين وتعليم الجاهلين، وهو تنبيهٌ وتذكير، يمنع من وقوع الخلاف، ويحدث حالة من الانضباط في المجتمع، كما جاء في مضمون الآية الواردة في أول النص: أنتم يا أيها المسلمون خير أمّة أخرجت للناس لأنّكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
ويقول الإمام علي (ع): «والأمر بالمعروف مصلحة للعوام» (1).
* وصيّة إلهيّة
نلاحظ أيضاً أن أنبياء مثل داود وعيسى (ع) قد لَعنوا الّذين يتركون النهي عن المنكر {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ*كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة: 78 ـ 79).
وثورة الإمام الحسين (ع) إنّما هي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» (2). ونقرأ في حديث عن الإمام الباقر (ع): «إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض» (3).
ويقول القرآن الكريم إنَّه يجب علينا أن نترك المجلس الّذي يُستهزأ فيه بآيات الله اعتراضاً على ذلك حتّى يغيّر مجرى الحديث {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ...} (النساء: 140).
ويجب على الإنسان أن ينزعج في قلبه من فعل المنكر، كما يجب عليه أن ينهى عنه بلسانه، وصولاً إلى المنع من فعله بواسطة القوّة والقانون.
الهوامش:
نهج البلاغة (خطب الإمام علي (ع))، الشريف الرضي، ج 4، ص 55 (1)
بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 44، ص 328 (2)
الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص
بقلم الشيخ محسن قراءتي نقلاً عن مجلّة بقيّة الله العدد 234