آثار برّ الوالدين وصلة الأرحام

آثار برّ الوالدين وصلة الأرحام

ما من تكليف بعد العبوديّة لله المتعال أوجب من تفقّد أحوال الوالدين والإحسان إليهما

 

في كلام الصدّيقة الكبرى (سلام الله عليها) «...وَبِرَّ الوَالِدَينِ وِقَايَةً مِنَ السَّخَطِ وَصِلَةَ الأَرحَامِ مَنسَأَةً فِي العُمرِ وَمَنمَاةً لِلعَدَد»1

إذا أردنا أن نوضّح هذه الجمل بإيجاز فإنّ الزهراء (سلام الله عليها) تقول فيها: لقد أوجب الله عليكم برّ الوالدين ليقيكم من غضبه وسُخْطه، وأمركم بصلة أرحامكم وأقاربكم كي يكون ذلك مدعاة لإطالة أعماركم من جانب، وزيادة عددكم من جانب آخر.

فموضوع هاتين الجملتين هو برّ الوالدين وصلة الرحم وهما موضوعان مرتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً.

شكر الوالدين قرين شكر الباري عزّ وجلّ 

لقد أولى الاسلام أهمية فائقة لهاتين المسألتين فالله سبحانه وتعالى وفي مواضع متعدّدة من كتابه العزيز يأمر بعبادته أوّلاً ثمّ يشفعه بأمر الإحسان إلى الوالدين: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»2. وكأنّه يريد أن يقول: ما من تكليف بعد العبوديّة لله المتعال أوجب من تفقّد أحوال الوالدين والإحسان إليهما، وهذا التعبير هو من أعجب التعابير وأكثرها صراحة ومدعاة للحذر وأخذ الحيطة.

كما ويقول عزّ وجلّ في آية مشابهة أيضاً: «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ»3. فلم يقل: اشكر لي واشكر لوالديك أيضاً، بل عطف «لوالديك» على «لي» وأشركهما في فعل أمر واحد. إذن فمن أمثال هذه الآيات والمئات من الأحاديث تتجلّى، بكلّ وضوح، الأهمّية التي أولاها الشارع المقدّس لهذا التكليف.

هذا وقد ورد تعبير مشابه لكن بمستوى أدنى بقليل بخصوص الأرحام عندما قال عزّ من قائل: «وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ»4؛ أي: اتّقوا ذلك الربّ الذي تحلفون باسمه في علاقاتكم فتقولون عندما تسألون امرأً شيئاً: أستحلفك بالله إلاّ فعلت كذا وكذا، أو الذي تذكرون اسمه لإثبات أمر مّا، إذن فاحرصوا على أداء حقّ الربّ الذي تقدّسونه إلى هذا الحدّ. ثمّ يُتبع ذلك بالقول: «وَالأَرْحَامَ»؛ أي: راعوا حقّ الله تعالى وكذا حقّ أرحامكم. فإنّ لهذا التقارن مدلولاً عميقاً.

حقّ بلا قيد أو شرط 

الملاحظة التي تسترعي الاهتمام لدى استقراء عشرات الروايات الواردة في هذا الجانب هي أنّ إيمان الوالدين، بل وحتّى إسلامهما، لم يوضع كشرط لبرّهما والإحسان إليهما. فحتّى إذا كان الأبوان كافرين فإنّ لهما حقّ الطاعة والإحسان على الولد؛ بالطبع إذا كان الأبوان مسلمين فسوف يكون لهما حقّ مضاعف، وإن كانا شيعيّين، لتضاعف حقّهما أكثر، وإذا كانا مُحسنَين في حقّ الأبناء زاد حقّهما عن ذلك؛ لكن بصرف النظر عن ذلك فمجرّد كونهما أبوين وأنّ الولد من نسلهما يوجب على الولد حقّاً لهما، وليس لكونهما مسلمين أو كافرين، عادلين أو فاسقين، عطوفين أو سيّئي الخلق أيُّ تأثير على هذا الحقّ، غاية ما في الأمر أنه ينبغي أن لا يطاعا في معصية الله تعالى. 

مراتب صلة الرحم  

وأحكامها فيما يخصّ صلة الرحم فهناك إجماع بين العلماء على حرمة قطع الرحم. والقطع هنا هو أن يعتزل المرء أرحامه بشكل يوحي وكأنّهم ليسوا أرحامه؛ فلا يبادلهم الزيارة، ولا يعاملهم باحترام، ولا يهديهم الهدايا، ولا تربطه بهم أيّ علاقة. فهذا هو قطعاً من المحرّمات، بل ويُعدّ من كبائر الذنوب. أمّا صلة الرحم فهي تجب بالمقدار الذي لا يصدق معه القطع؛ ذلك أنّ الأمرين غير منفكّين عن بعضهما. فالمتيقَّن أنّ قطع الرحم محرّم، أمّا ما هو مصداق قطع الرحم؟

هنا يرى كافّة العلماء تقريباً أنّه أمر عرفيّ يختلف باختلاف ظروف الزمان والمكان ومرتبة القرابة. فالصلة بالأرحام الأكثر قرابة إلى الإنسان تقتضي ما لا تقتضيه الصلة بمن هم أبعد منهم، كما وأنّ الصلة بالأرحام الذين يعيشون في مدينة أو بلد آخر تكون على نحو آخر، فاتّصال هاتفيّ واحد قد يكون كافياً أحياناً في هذه الحالة. فلابدّ – على أيّة حال - أن تكون العلاقة بحيث يقال عرفاً أنّه لم يقطع صلته بأرحامه. 

يُعدّ قطع الرحم من أكبر الكبائر، بل وقد ورد التأكيد أيضاً على أن يصل المرء أرحامه حتّى وإن قطعوه؛ إذ يقول الإمام السجّاد (عليه السلام) في هذا الصدد: «ما من خطوة أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من خطوتين؛ خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل الله، وخطوة إلى ذي رحم قاطع»5.

المصدر : موقع اية الله الشيخ بهجت .

 الهوامش :

1 بحار الأنوار، ج29، ص223.

2. سورة الإسراء، الآية 23.

3. سورة لقمان، الآية 14.

4. سورة النساء، الآية 1.

5. الخصال للصدوق، ج1، ص50.

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com