روى الشيخ الصدوق والمفيد وغيرهما انّ أمير المؤمنين(ع) لما توفى قام الحسن(ع)، فصعد المنبر ، وأنشأ خطبة بليغة تشتمل على ذكر معارف اللّه وحقائقه فقال : نحن حزب اللّه الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين الذين خلّفهما رسول اللّه(ص) في أمته فقال : انّي تارك فيكم كتاب اللّه وعترتي ، والتالي كتاب اللّه فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمعوّل علينا في تفسيره لا نتظنّى تأويله بل نتيقّن حقائقه ، فأطيعونا فانّ طاعتنا مفروضة اذ كانت بطاعة اللّه عزوجل ورسوله مقرونة .
قال اللّه عزوجل» : ياَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْآ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَزَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاْءَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (1) .
« ثم قال(ع):لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول اللّه فيقيه بنفسه ، وكان رسول اللّه(ص) يوجّهه برايته ، فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، ولا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه .
ولقد توفى(ع) في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ، والتي قبض فيها يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء الاّ سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله . ثم خنقته العبرة فبكى وأبكى الناس معه ، ثم قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي الى اللّه باذنه ، أنا ابن السراج المنير،أنا من أهل بيت أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت فرض اللّه مودّتهم في كتابه فقال تعالى : « قُل لا أَسْألكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً الاّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ »(2) . فالحسنة مودتنا أهل البيت .
ثم جلس ، فقام عبد اللّه بن عباس بين يديه فقال : معاشر الناس هذا إبن بنت نبيّكم ووصيّ امامكم فبايعوه ، فاستجاب له الناس ، فقالوا : ما أحبّه الينا وما أوجب حقه علينا ، وبادروا الى البيعة له بالخلافة ، فشرط عليهم الحسن(ع)ان يكونوا صلحاً لمن صالح وحرباً لمن حارب ، فقبلوا ذلك منه . وكانت البيعة في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة وكان عمره الشريف(37) سنة ، ثم نزل من المنبر فرتّب عماله وأمر الامراء ، وأنفذ عبد اللّه بن عباس الى البصرة ونظر في الامور3.
الهوامش :
النساء : 59 . (2)
الشورى : 23 . (3)
الارشاد : 188 مع اختلاف ما ، عنه البحار 43:362 ، ضمن حديث 4
المصدر :
منتهى الآمال الشيخ عباس القمي (1)