بقلم الحاجة عفاف الحكيم
قال تعالى في كتابه الكريم: «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباًًًًً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات13).
- لقد هيّأ الله تبارك وتعالى التوازن الانساني بالثنائية التكاملية...
وإنّه على أساس هذه العلاقة الثنائية التكاملية قامت الحياة الطبيعية في المجتمع البشري... وذلك لأنّ الإنسان بمفرده رجلاً، كان أم امرأة، ليس بقدوره أن يحقق الكمال الوجودي والاجتماعي والفكري... بل لا بدّ مع اختلاف المواهب والاستعدادات من التعارف والتعاون...
وأنّه من هنا أيضاً، جاء التوصيف الالهي للثلة التي تشكلّت منها نواة خير أمة أُخرجت للناس،
قال تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (التوبة71).
وفي آية أخرى، أكّد تبارك وتعالى على هذه الثنائية بقوله تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض...» (آل عمران 195).
- وأنّه بالالتفات إلى الوصايا الالهية التي حملتها الرسالة الخاتمة نجد:
1- التركيز على كون حقيقة إنسانية الإنسان تتجلى هي بروحه وليس بجسده، فكتاب الله يرجع البدن إلى التراب والطين، بينما يرجع الروح إلى الذات الإلهية..
2- أن الخلافة التي هي وظيفة عمل الفرد – ذكر كان أم أنثى تقضي بحسب الآيات الكريمة ألوان من النشاط الحيوي في عمارة الأرض. قال تعالى مخاطباً نساء ورجال خير أمة مؤكداً ومشدّداً: «وكنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» (آل عمران110).
وإننا بالعودة إلى تفاصيل هذه الفريضة البنائية التنموية التي هي أهم وأعلى فريضة إسلامية يتعبد بها المسلم والمسلمة لله تبارك وتعالى. نجد أن المرأة والرجل بمقتضاها يتحملان معا مسؤولية وواجب بناء المجتمع بكل ما تتسع له كلمة المعروف من خير ومنفعة.. كما يتحملان واجب دفع المنكرات والسوء عنه بكل ما تشمله كلمة المنكر من ضرر وخطر..
- وبهذا نصل إلى أن المرأة التي انتشلها الإسلام من حضيض الجاهلية والتي سرعان ما ارتفعت مع الارتباط بتعاليمه لتكون رقما إيجابيا فاعلا في قضايا أمتها ومجتمعها برزت من بينها - عدا خريجات بيت النبوة - كثيرات ، في الوقت الذي كانت فيه نساء العالم من حولها تغفو أو تئن في ظلمات واقعها الكئيب ..
لكن للأسف فإن هذه الصورة المشرقة التي قدمّها الإسلام والتي كرست عمليا بين يديّ رسول الله (ص) وفي ساحات المعصومين عليهم السلام، نجدها بعد انكفاء التجربة الإسلامية على المستوى السياسي وخروجها عن المنهج الذي رسمه رسول(ص) تتعثر وتتراجع.. إلى أن وصلت على أيدي الحكّام الظالمين إلى عصور الجواري والحريم. ومن ثم إلى حالة من الإنسحاق والإنحطاط الكلي.. وإذ بالمرأة التي وهبت قبل أربعة عشر قرنا.. كامل الحقوق وأدت أعظم الأدوار.. نجدها اليوم تلهث منبهرة خاوية خلف المطالبات بالحقوق على امتداد الساحة العالمية المتخبطة بألوان المفاسد والعلل...
وحيث بتنا نشهد ليس فقط انزلاق الفعاليات.. بل العديد من الجمعيات والمؤسسات النسائية في بلداننا العربية والإسلامية في شباك التبني الحميم لطروحات حقوق المرأة وإيصالها إلى مواقع صنع القرار التي يروج لها من قبل القوى المهيمنة بهدف إبهام النساء بمشروع جديد للإنتصار لقضايا المرأة عبر الأمم المتحدة..
وحيث تحولت المؤتمرات العالمية - والتي شاركنا في العديد منها - إلى قنطرة تعبر عليها المنظمات الدولية المشبوهة الساعية إلى قولبة شخصية المرأة ونسف أسس المجتمعات.. وضرب بنيتها وتماسكها من خلال تداعيات الارتباط والتنسيق مع الجمعيات والمنظمات النسائية المحلية وحيث بات مؤتمر بكين 1995 بمثابة الإطار الإستراتيجي والتصوري الذي تدور في فلكه مجموع الجمعيات النسوية ومؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدني التي تتزعمها وتفعّلها في العالمين العربي والإسلامي فلول الأحزاب وبقايا التجمعات النسائية العلمانية.
وأنه بإمكان أي متأمل في تداعيات هذا المؤتمر وبرامجه أن يقرأ وبوضوح المشروع الهام الذي تبنته قوى الاستكبار للعمل عليه ألا وهو – المرأة – الجيش المعطل في نظرهم والذي يعمل على حسن استخدامه وصولا إلى تحقيق أهدافهم بإيجاد المجتمع العالمي ذي الصبغة والسمت الواحد الذي تسيطر عليه مفاهيم الغرب الانحلالية الآيلة إلى تقويض دعائم الأسرة وتذويب المجتمعات وتحويلها إلى نسيج واحد مهترئ تسلس قياديه وسيهل التلاعب فيه كيف يشاء.
- وهذا الوضع يشكل اليوم أكبر تحدي يواجه المرأة المسلمة المعاصرة بشكل عام ويجعلها أمام المواجهة المتعددة الأبعاد.. باعتبار أن نظرة الإصلاح المزيفة هذه.. والتي تجتاح سائر المجتمعات ومنها مجتمعاتنا إنما تنطلق من برامج مدروسة . ولغايات وأهداف خبيثة محددة..
- فوثيقة – بكين– على سبيل المثال نجدها تشمل بنود تطال وتهدد كيان الأسرة ومؤسسة الزواج كما تعارفت عليها الأديان. إضافة إلى إباحة التمرد على سلطة الوالدين وغيرها من المفاسد. وحيث شهدنا خلال المؤتمر مظاهرات حاشدة من "الشاذين " ترفع شعاراتها دون خجل أو حياء.. وحيث ضمت -كما جاء من وسائل الإعلام حينها– خمسة آلاف من هؤلاء.. كما تجرأ وفد في إحدى الجلسات على اقتراح الغاء كلمة – أم – لأنها بحسب زعمهن تشكل امتهاناً للمرأة وتجعلها أقرب إلى حيوان مهمته الأساسية أن يلد ويرضع..
- هذه الغوغائية دفعت يومذاك بالوفود الإسلامية للتضامن مع وفد الفاتيكان بهدف كبح جماحها.. كما دفعت ببعض المفكرين الغربيين إلى الدعوة لتشجيع التدين والإفادة مما تقدمه الرسالات السماوية من الضمانات الخلقية . . وحيث تخيل المفكر الفرنسي -أندريه مالرو– حضارة جديدة تجمع بين المادة والروح . وتوائم بين مرامي الدين ومطالب الحياة.. مطلقاً عبارته التي اكتسبت شهرة واسعة بعد ذلك (إن القرن الواحد والعشرين إما أن يكون قرن الدين أو لا يكون على الاطلاق)
المرأة والدور التكاملي في العالمين العربي والإسلامي :
لا شك بأن هذه الدعوة العالمية للعودة إلى منابع الدين والبحث عن حضارة متوازنة. تبيّن أهمية الدور الذي ينتظر المرأة المسلمة وبالخصوص التي تنطلق من التكامل والتوازن والأمة الوسط (وكذلك جعلنا أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيد).
- غير أن المرأة في عالمنا العربي والاسلامي لن تتمكن من الاضطلاع بهذا الدور إلا إذا خرجت كلياً من مهاوي الافراط والتفريط . ومذالق الانبهار والتبعية الممية.. وإلا إذا استقامت على الإسلام والتزمت بمنهجه وتقيدت بتعاليمه.. ومن ثم اتجهت لتوحيد صفوفها وجمع كلماتها محوّلة الاختلاف في المذاهب والمدارس الفكرية إلى التنوع الذي يغني وخصب ويبعث في الساحة القوة والنماء..
- وانه من أجل أن ندرك أهمية وأبعاد الدور التكاملي للمرأة.. وفاعبية وتأثير حضورها في عملية توجيه وتحصين مجتمعاتنا. فلا بد لنا من الالتفات من جهة إلى الحرص والتشديد الذي حملته التعاليم الإلهية بخصوص هذا الدور كما بينا.
- ومن جهة ثانية: إلى مخططات قوى الاستكبار – العالمي المتمثلة بالهجمة الشرسة على عالمنا العربي والاسلامي. وحيث كان ومازال همها الاساسي. هو قطع القنوات أو الجسور التي تربط بين الاجيال المتعاقبة. والتي تسهم في إيصال مقومات الحضارة الاسلامية إليها. والتي تكفل الحفاظ على تراثنا الفكري والعقائدي والسلوكي..
- وهذه الجسور الثلاثة – كما يسميها العلامةالآصفي في كتابه – هي البيت والمدرسة والمسجد.. ذلك أن كل منها يشارك بطريقة ما في تهذيب الشخصية الاسلامية وتكوينها.. وعليه يصبح لزاماً على المسلمين والقيمين تحصين هذه المواقع – الجسور – لأنها قلاع التصدي لجهات الاستكبار العالمي المتوالية.. وهذه مع الالتفات إلى أن المرأة هي الأم في البيت أي هي عماد الجسر الأول.. وهي المربية في المدرسة أي هي ركن مكين في الجسر الثاني – وثالثاً هي صاحبة الحافذ المؤثر في توجيه الأبناء وارتباطهم بالمسجد والحسينية.. "
- وهنا يحضرني ما جاء في وثيقة (من بلس مؤسس الجامعة الامريكية في بيروت – الانجيلية سابقاً – يقول فيها لزميله ( علينا أ، ننشئ مدارس لبنات المسلمين فنحن لا نطمح أن يكن مسيحيات مستقبلاً. وإنما نطمع أن لا يكن أمهات مسلمات )
- إذن الصراع بيننا وبين قوى الاستكبار والصهيونية بدور حول قطع هذه الجسور ونسفها.. ذلك أن الجذور الحضارية - كم بينا – هي التي تمنح الأمة مناعة ضدا أي غزو فكرياً كان أم سياسياً. ولن يكون بمقدور أي قوة أن تضع يدها على كنوز هذه الأمة وثرواتها قبل أن تضع يدها على عقول أبنائها.. وان المرأة المسلمة التي هي قلب هذه الحضارة.. والتي ساهمت بالأمس في صناعة بتاريخ الأمة وتحقق أمجادها.. فان عالمنا العربي والاسلامي ينتظر دورها هذا مرة أخرى..
- وإذا كان الامام الخميني (قد) قد قطع بنا شوطاً كبيراً بعد أن بلورت ثورته الباركة من جديد المفاهيم إلى أرسالها رسول الله (ص) محدثاً هذه النقلة النوعية في مجتمعاتنا بعد إبراز النموذج القرآني للمرأة وتقديم الصورة المثلى – لديناميكية - المجتمع النسائي المطلوب على كافة الصعد وفي مختلف المجالات.
- وإذا كانت المرأة في المقاومة الاسلامية في لبنان. قد شكلت شريكاً أساسياً في تشكيل الإدارة الشعبية العارمة. وبزلت وضحت وصبرت طيلة ثمانية عشر ماماً من المواجهة مع العدو الصهيوني ( ولازالت.. ) مساهمة في إيجاد ذالك اللون البديع من التكامل في الأدوار بين الصغار والكبار والرجال والنساء.. التكامل الذي يه تصان الطاقات وتتحول الاسر إلى قلاع متينة من الصعب اختراقها..
- وإذا كانت المرأة المجاهدة على الارض فلسطين قد ضربت رقماً قياسياً في الثبات والشموخ أمام المخطط الصهيوني ومضت تقدم الشهداء من أبنائها بل مضت تقدم نفسها محرزة سبق الفوز بالشهادة.. وهذا مع احتمال صنوف الأذى من هدم المنازل وضيق العيش ومن حولها شلالات الدماء البريئة لعشرات الجرحى والشهداء في المواجهات اليومية.
- أخيراً:
- من هنا نخلص إلى أنه لا بد لنا في عصر التكتلات وتجميع الجهود والطاقات من أن نرسي عملياً سمة التكامل التي ميز الله سبحانه وتعالى بها الوجود جاعلين من المجاهدة والكدح سلماً لتحصيل التكامل في النفس والاسرة والمجتمع والأمة.. عاملين على استنهاض جمع المواهب والاستعدادات والطاقات من حولنا.. ستخدمين مختلف الوسائل والتقنيات الحديثة التي يتحدد معها نشاطنا واختصاصنا وصولاً على تفعيل الأدوار وتكاملها وجعلها جميعاً تصب في مواجهة قوى الاستكبار والصهيونية العالمية..
- ويبقى أن دور المرأة في المقاومة والانتفاضة الذي ساهم مساهمة كبيرة في تعبئة مجتمعاتنا العربية والاسلامية واثبت أن حضور المرأة الحقيقي والفعلي قادر على احداث تحولات هامة وحاسمة في مسار الأحداث هذا الدور أن أحسنا التكامل معه.. يمكنه أن يكون نواة استنهاض واستقطاب لمختلف الشرائح النسائية في مجتمعاتنا على أمتداد العالمين العربي والاسلامي وصولاً إلى انخراط الساحة النسائية المخلصة في ميدان الفعل الباشر للمواجهة العدو الصهيوني ومخططات الاستكبار ومكائده.