النًسب الشريف
في زمن كان أهل قريش يغرقون في وسطٍ اجتماعي تسود فيهِ الوثنية وعبادة الأصنام، وممارسة تقاليد الجاهلية، وُلدِت السيدة الجليلة فاطمة بنت أسد في كنفِ أسرةٍ تعتنق التوحيد الخالص لله عزّ وجلّ على دين النبي إبراهيم الخليل(ع)، وينحدر نسبها من سلالةٍ هاشمية، فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف إلى آخر نسب النبي محمد (ص) حيث أن جدها هاشم هو الجد الثاني للنبي محمد (ص).
وكان بنو هاشم يتمتَعون في مكة بمقام رفيعٍ، إذ عُرِفوا بزعامتهم وسيادتهم في قريش، واتصفوا بفطرتهم النقية وعرقهم الطيب، وشمائلهم الحميدة... عن الإمام علي (ع): "والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا عبد مناف ولا هاشم صنماً وإنما كانوا يعبدون الله و يُصلَّون إلى البيت على دين إبراهيم مُتمسكين به"... عُرفت السيدة الشريفة بالعفة والطهارة، وكانت فصيحة اللسان، وعلى قدرٍ من الرِفعة في الأخلاق. وزادها شرفاً في النسب زواجها من أبي طالب عمّ الرسول محمد(ص) والذي كان موَحداً لله تعالى على ملة إبراهيم(ع) والذي كان يتمتع بمكانهٍ مرموقةٍ في قريش، فهو سيد البطحاء ومفزع اللاجئين في الحاجات والكربات، وكان مُعتَمدَ والده عبد المطلب في المهمات التي كان أعظمها تكفل رعاية النبي محمد (ص) بعد موته...
في بيت الزوجية
عاشت السيدة فاطمة بنت أسد إلى جانب زوجها أبي طالب وكانت خير معينٍ له في تحمل أعباء الحياة وأفضل سندٍ وشريك في تنفيذ وصية عبد المطلب حينما بدت عليه أمارات الموت فأوصى ابنه أبو طالب بكفالة النبي محمد(ص) الذي كان صغيراً آنذاك، فإلى جانب أبي طالب نشأ الرسول محمد(ص) في كنفها و ترعرع في حجرتها حيث كانت تخدمه و ترعاه و توليه اهتماما مميزاً أكثر من باقي أولادها ، وهو (ص) لشدة تعلقه بها صار يناديها "أُمي" ..عن الإمام الصادق (ع):"أوحى الله تعالى إلى النبي (ص) أني حرمت النار على صلبٍ أنزلك، وبطنٍ حملك وحجرٍ كفلك ، وأهل بيتٍ آووك ، فعبد الله بن المطلب الصلب الذي حمِلهُ، والحجر الذي كفله فاطمة بنت أسد ،وأما أهل البيت الذين آووه فأبو طالب" .
ضيفة بيت الله الحرام
لعلَ أفضل الميزات التي حظيت فيها السيدة الجليلة فاطمة بنت أسد دون نساء العالمين جميعهن هي :أنها وإضافة للكرامة التي حظيت بها أن تكون مربيةٍ لحامل رسالة النبوة أن الله اختارها وخصَها بأن تكون أيضاً أمّا لوصي هذا النبي مميزها عن سائر النساء باستضافته لها عز و جل في جوف الكعبة لتلد ابنها "عليا" حينما جاءها المخاض...عن الإمام الصادق(ع)عن آبائه(ع) قال: كان العباس بن عبد المطلب (ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ اتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين(ع) وكانت حاملاً بأمير المؤمنين تسعة أشهر وكان يوم التمام. قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء و قالت: "أي رب إني مؤمنة بك و بما جاء به من عندك الرسول و بكل نبي من أنبيائك و بكل كتابٍ أنزلته وإني مصدِقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وانه بنى البيت العتيق، فأسألك بحق هذا البيت الحرام و من بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسَرت عليَ ولادتي".
قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب: لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا الباب قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة منه، وغابت عن أبصارهم ثم عادت الفتحة والتصقت بإذن الله تعالى و بقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام... قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت وعليَ(ع) على يديها ثم قالت: "معاشر الناس إن الله اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، ومريم ابنة عمران حيث اختارها الله ويسَر عليها ولادة عيسى فهزَت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنيا.
إن الله اختارني وفضلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: "يا فاطمة سمّيه "علياً" فأنا العلي الأعلى وأني خلقته من قدرتي، وعز جلالي وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي هو أول من يؤذن فوق بيتي ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظمني ويمجدني ويهللني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه فطوبى لمن أحبه ونصره والويل لمن عصاه وخذله..."
بوركت مقاماً.... أمًاً لعلي... أمّاً للرسول
تعد فاطمة بنت أسد من النساء الأوائل اللاتي التزمن بدين محمد (ص) حينما دعا إلى دين الله وجاء بمعجزة الله الخالدة " القرآن" وكانت أيضاً من بين الفواطم اللاتي هاجرن برفقة علي (ع) من مكة إلى المدينة أيام الهجرة ولمكانتها العظيمة عند رسول الله (ص) فإنه بكى عليها حينما توفيت وقال للإمام علي (ع) عندما أخبره بوفاتها: رحم الله أمك يا علي أما أنها كانت لك أماً فقد كانت لي أماً ... ثم أمر أن تُكفن بثوبه بعد أن تُغسّل، وحمل جنازتها وصلّى عليها وحثّ التراب عليها ودفنها. ويقع قبرها الآن في البقيع بجانب قبور أئمة أهل البيت (ع). ومن خصائصها أنها من الأولياء الذين يتوسل إليهم في الشدائد، ووردت في حقها زيارة خاصة تدل على عظيم شأنها من خلال العبارات الرفيعة الواردة بحقها في الزيارة.
بقلم : إيمان علوية
المصادر: - الطريق إلى منبر الحسين لنيل سعادة الدارين(الشيخ عبد الوهاب الكاشي) - في رثاء النبي وأهل بيته الأطهار/ دار الحوراء(ع) / الجزء الثامن.
- حياة الرسول وأهل بيته/دار المحجة البيضاء- دار الرسول الأكرم /
إعداد: لجنة من العلماء - الفواطم من رائدات النساء – دار المحجة البيضاء وأبرز مصادره: أعيان الشيعة، بحار الأنوار، الأسرار الفاطمية، تاريخ الإسلام.