إذا أردت أن تقصد وليــاً من أوليــاء الله (ع) فاعلـم أن هذه الذوات الطــاهرة - عندما تفارق أبدانها وتتصل بعالم القدس والمجردات - فإنها تقوى إحاطةً بهذا العالم السفلي ، وتزداد قوّّة في التصرف بهذه النشأة ، وتشتد علماً بأحوال الزائرين.
فهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله. فنسيم ألطافهم ورشحات أنوارهم ، تصل إلى قاصديهم خصوصاً للمخلصين منهم ، فيحسن عند الزيارة تجديد العهد بهم ، وإعلاء كلمتهم إرغاما لأنف أعدائهم.. ومن ثم طلب شفاعتهم لغفران الذنوب ، والوصول إلى الفيض الأعظم ، وذلك بمراعاة الآداب الواردة في كتب المزار.
واعلم أنهم (ع) مطلعون على حركاتك وسكناتك ، بل على خواطرك .. ولهذا ينبغي دخول مشاهدهم الشريفة بكامل الخضوع والانكسار، واستجماع المتفرق من الأفكار، فإن تشتت الخواطر عندهم بمثابة استدبارهم. وعليك أن تتحرز في مشاهدهم عن اللغو، فضلاً على الغيبة أو استماعهـا، وكذلك الكذب وسائر المعاصي ..
ومن آداب الحضور خفض الصوت ، عملا بقوله تعالى : { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } . الحجرات/2 .. فإن هذا جارٍ عند الأئمة (ع) جميعــاً ، وخصوصاً عند أمير المؤمنين (ع) فإنه كنفس الرسول (ص).
وعليك بعرض إيمانك عليهم ، ليكون ذلك أمانة لديهم تستوفيها منهم عند شديد الحاجة إلى ذلك ، فلا يكون للشيطان سبيلٌ عليك عند الممات. وعليك باستذكار مصائبهم - وخصوصاً عند سيد الشهداء (ع) - فتذكّرها واحدة بعد أخرى مع البكاء أو التباكي عندها.
يا حبـذا تلك التوبة الجامعة النصوحة إلى الله في تلك المشــاهد ، تشفعاً بذلك الولي ، وتعاهداً مع الرب في عدم العودة إلى المعاصي، بل عدم العودة إلى كل لغو وباطل .. إذ لا بد من وجود فرق بين حال الزائر قبل الزيارة وبعدها.
إن على الزائــر أن يتحمل الصعاب في سبيل زيارتهم، وخصوصاً عند الخوف من الأعـداء فقد ورد عنهم (ع): "ألا تحبّون أن تخافوا فينا؟ .. " كما ينبغي عدم الاستعجال في العودة من مشاهدهم الشريفة ، بدعوى الشغل في الوطن ، وخوف نفاذ المال ، وذهاب الرفقة وما شابه ذلك، فإن ذلك كله من تسويلات الشيطان ، للحرمان من بركات الزيارة خصوصاً في مثل ليالي الجمعة.
فمن أين له اليقين بتوفيق العودة إلى تلك المشاهد الشريفة ؟.. وقد جرت العادة على أن الزائر في المشاهد، يتوقع التوفيق للزيارة مرة بعد أخرى ، ولكن أنّى له ذلك ، وهذا مما قد جرّب !..
المصدر : كتاب تذكرة المتقين – الشيخ محمد البهاري الهمداني .