إنّ زينب الكبرى عليها السلام امرأةٌ عظيمة. فما هي عظمة هذه المرأة الكبرى في نظر الشعوب الإسلامية؟ لا يصحّ أن يُقال لأنّها كانت ابنة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أو أخت الحسين بن عليّ والحسن بن عليّ عليهما السلام ، فالنسب لا يمكن أن يكون سبباً لمثل هذه العظمة. فلقد كان لجميع أئمّتنا بناتٌ وأمّهاتٌ وأخوات ولكن من منهنّ كانت كزينب الكبرى عليها السلام ؟ إنّ قيمة وعظمة زينب الكبرى هي لموقفها وحركتها الإنسانيّة والإسلاميّة العظيمة على أساس التكليف الإلهيّ. فعملها وقرارها ونوعيّة حركتها، كلّ ذلك منحها هذه العظمة. وكلّ من تقوم بمثل هذا العمل، ولو لم تكن بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، ستحصل على هذه العظمة. فالجانب الأساس لهذه العظمة نابعٌ من هنا، حيث إنّها بدايةً شخّصت الموقف سواءٌ قبل تحرّك الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء، أم في لحظات المحنة في يوم عاشوراء أم في الأحداث القاصمة التي تلت شهادة الإمام الحسين عليه السلام وثانياً، اتخاذها الموقف المناسب بحسب كل حادثة، وهذه المواقف هي الّتي صنعت زينب عليها السلام .
فقبل التحرّك إلى كربلاء، نجد وجهاء، كابن عبّاس وابن جعفر وشخصيّات معروفة في صدر الإسلام، ممّن يدّعي الفقاهة والشهامة والرئاسة قد تحيّروا ولم يعرفوا ماذا يفعلون، ولكنّ زينب الكبرى لم تُصب بالحيرة، وأدركت أيّ طريقٍ ينبغي أن تسلكه، ولم تترك إمامها وحيداً وتذهب. فهي لم تدرك صعوبة الطريق فحسب، بل شعرت به أفضل من غيرها. لقد كانت امرأةً حاضرة لأن
تضحي بأسرتها لأجل أداء المهمةّ، ولهذا أحضرت أطفالها وأبناءها معها. كانت تشعر بكيفية الواقعة. في تلك الساعات العصيبة حيث لا يقدر أقوى الناس على إدراك ماذا ينبغي أن يفعل أدركت ذلك ودعمت إمامها وجهّزته لمذبح الشهادة.
بعد شهادة الحسين بن عليّ عليه السلام وحين أظلمت الدنيا وتكدّرت القلوب والنفوس وآفاق العالم، أضحت هذه السيّدة الكبرى نوراً وسطوعاً. لقد وصلت زينب عليها السلام إلى حيث لا يصل سوى أعظم الناس في تاريخ البشرية - أي الأنبياء
في الواقع إنّ كربلاء دون زينب عليها السلام ما كانت لتكون كربلاء. وما كانت عاشوراء دون زينب الكبرى عليها السلام لتكون تلك الحادثة التاريخية الخالدة. لقد برزت هذه الشخصية لابنة عليٍّ عليه السلام من أوّل الحادثة إلى آخرها، بحيث يشعر المرء أنّ حسيناً ثانياً كان في لباس امرأةٍ وفي ثوب ابنة عليّ. وفي غير ذلك، ماذا كان سيحدث بعد عاشوراء؟ لعلّ الإمام السجّاد عليه السلام كان ليُقتل، ولعلّ نداء الإمام الحسين عليه السلام ما كان ليصل إلى أحد. في تلك المرحلة وقبل شهادة الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام أيضاً، كانت زينب كمواسٍ وصديق وشخصٍ لم يشعر الإمام الحسين عليه السلام مع وجوده بالوحدة أو بالتّعب. إنّ المرء ليشاهد مثل هذا الدور في وجه زينب عليها السلام وفي كلماتها وفي حركاتها.
* المصدر : انسان بعمر 250 سنة للسيد القائد حفظه الله