صلاة الليل شرف المؤمن
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في إحدى خطبه1 في نهج البلاغة: " ... فاتقوا الله عباد الله تقية ذي لب شغل التفكر قلبه، أنصب الخوف بدنه، وأسهر التجهد غرار نومه... " أشار الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة إلى مسألة إحياء الليل بالتهجد والعبادة على أنّها من مميزات المتقين السائرين إلى الحق. ولما كان إحياء الليل في عرف المتقين يتمثل بالدعاء والمناجاة والعبادة، فقد استعملت كلمة التهجد بمعنى الصلاة في جوف الليل، وبالذات نافلة الليل. على كل حال فانّ لصلاة الليل آدابها الخاصة، وهى الاكسير الأعظم والكيمياء الكبرى التي تحيل تراب الإنسان ذهباً.
وقد خاطب الحق سبحانه رسول الكريم(صلى الله عليه وآله) في قرآنه الكريم قائلاً: (وَمِنَ اللَّـيْلِ فَتَهَـجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)2. الذي يفيد أنّ المقام المحمود الذي بلغه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) إنّما بلغه بعبادة الليل والتهجد فيه. ويكفي في فضلها وتظافر الروايات فيها، ما ورد عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنّه قال لعلي(عليه السلام): «عليك بصلاة الليل يكررها أربعة»3، كما ورد في الحديث أنه أوصى عليا(عليه السلام) قائلاً: «يا علي ثلاث فرحات للمؤمن: لقى الاخوان، والافطار من الصيام، والتهجد من آخر الليل»4.
فالحديث يفيد أنّ صلاة الليل لمن دواعي سرور المؤمن وسعادته. وجاء في الحديث أيضاً أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال: «ما اتخذ اللّه إبراهيم خليلاً إلاّ لاطعامه الطعام وصلاته بالليل والناس نيام»5. وأوصى الصادق(عليه السلام) أحد أصحابه قائلاً: «لاتدع قيام الليل فان المغبون من غبن قيام الليل»6.
الجدير بالذكر أنّ الآية السادسة من سورة المزمل عبرت عن صلاة الليل بناشئة الليل وهى عظيمة الاهمية والمؤدية إلى الاستقامة «إن ناشئة الليل هى أشد وطئا أقوم قيلا» وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنّ المراد بناشئة الليل نشئة الجذبة الروحية والملكوتية التي تحصل للإنسان ببركة هذه العبادة. وسبب هذه الأهمية واضح لأنّ روح العبادة التي تبلغ بالإنسان المقامات العالية إنّما تكمن في أمرين: الإخلاص وحضور القلب. وكلاهما حاصل في الليل ولاسيما في آخره بعد تلك الاستراحة والخلود حين يكون الناس نيام وقد انقطعت الحركة والسعي والعمل المادي فليس هنالك من تفكير في نيل بعض المتع المادية ولا الشواغل الفكرية المادية اليومية التي تشتمل عليها الحياة الإنسانية، ومن هنا كانت صلاة الليل عبادة خالصة متوجة بحضور القلب والمعنوية التامة. ويمكن لكافة الإخوة المؤمنين لمس معطيات هذه العبادة من خلال التجربة وتذوق حلاوتها بشغاف القلب فيحرصون على أدائها، فهي الموصوفة لمن أراد الدنيا، وهى كذلك لمن أراد الآخرة، وهى باعثة الرزق ومطيبة الريح ومبيضة الوجه. نسأل اللّه أن يوفقنا وإياكم للمواظبة عليها.
المصدر:من كتاب شرح نهج البلاغة، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج3.
1. خطبة 83 من نهج البلاغة
2. سورة الاسراء / 79.
3. بحارالأنوار 66/392 ح 68.
4. بحارالأنوار 71/352 ح 22.
5. بحارالأنوار 84/144 ح 18.
6. بحارالأنوار 80/127.