إنّ الدين ثورة فكريّة تقود الإنسان إلى الكمال والرقّي في جميع المجالات المهمّة بالنسبة إلى حياة الإنسان والتي منها:
المجال الأول:
«تقويم الأفكار والعقائد وتهذيبها من الأوهام والخرافات» إن الدّين يفسّر واقع الكون بأنّه إبداع «موجودٍ عال» قام بخلق المادّة وتصويرها وتحديدها بقوانين وحدود، كما أنّه يفسِّر الحياة الإنسانيّة بأنّها لم تظهر على صفحة الكون عبثاً ولم يخلق الإنسان سدى، بل لتكوّنه في هذا الكوكب غاية عليا يصل إليها في ظلّ تعاليم الأنبياء والهداة المبعوثين من جانب الله تعالى. في مقابل هذا التفسير الديني لواقع الكون والحياة الإنسانيّة التفسير المادّي القائل بأن المادّة الأولى قديمة بالذات وهي التي قامت فأعطت لنفسها نُظُماً، وأنّه لا غاية لها ولا للإنسان القاطن فيما وراء هذه الحياة المادّية.
وهذا التفسير يقود الإنسان إلى الجهل والخرافة، إذ كيف يمكن للمادّة أن تمنح نفسها نُظُماً؟! وهل يمكن أن تتّحد العلّة والمعلول، والفاعل والمفعول والجاعل والمجعول؟!. من هنا يتبيّن أنّ التكامل الفكري إنّما يتحقق في ظلّ الدين، لأنه يكشف آفاقاً واسعة أمام عقل الإنسان وتفكّره.
المجال الثاني:
«تنمية الأصول الأخلاقية» إنّ العقائد الدينية تُعد رصيداً للأصول الأخلاقية، إذ التقيّد بالقيم ورعايتها لا ينفكّ عن مصاعب وآلام يصعب على الإنسان تحمّلها إلا بعامل روحي يسهّلها ويزيل صعوبتها له، وهذا كالتضحية في سبيل الحقّ والعدل، ورعاية الأمانة، ومساعدة المستضعفين... فهذه بعض الأصول الأخلاقيّة التي لا تُنكر صحّتها، غير أنّ تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاماً وصعوبات، والاعتقاد بالله سبحانه وما في العمل بها من الأجر والثواب خير عامل لتشويق الإنسان على إجرائها مع ما يستتبع ذلك من تحمّل المصاعب والآلام.
المجال الثالث:
«دعم التكاليف والقوانين الاجتماعية» إنّ العقيدة الدينيّة تدعم الأصول الاجتماعية لأنها تصبح عند الإنسان المتديّن تكاليف لازمة، ويكون الإنسان بنفسه مقوداً إلى العمل والإجراء، أي إجراء التكاليف والقوانين الاجتماعية في شتّى الحقول. المجال الرابع: «إلغاء الفوارق القومية» إنّ الدّين يَعْتبِر البشر كلّهم مخلوقين لـ«مبدأ واحد»، فالكل بالنسبة إليه حسب الذات والجوهر كأسنان المشط، ولا يرى أيّ معنى للمميزات القومّية والفوارق الظاهريّة. هذه بعض المجالات التي للدّين فيها دور وتأثير واضح، فهل يصحّ بعد الوقوف على هذه التأثيرات المهمّة أن نهمل البحث عنه، ونجعله في زاوية النسيان؟!
المصدر:. من محاضرات العلامة المحقق جعفر السبحاني.