عندما يواجه الإنسان الصعاب والعوائق في حياته، وتبدو الأبواب وكأنَّها قد أغلقت في وجهه ويحس بضعفه ووحدته في مواجهة المشكلات، يهبّ إيمانه بالله إلى عونه وتقوية معنوياته. إنَّ المؤمنين بالله لا يرون أنفسهم وحيدين وضعفاء، ولا ينتابهم اليأس، لأنهم يؤمنون بأنَّ قدرة الله أكبر من كلّ مشكلة، وأنَّ كلّ شيء عنده سهل يسير.
إنّهم يتدرعون بلطف الله وحمايته وعونه، وينهضون لمقارعة الخطوب والصعاب مستفيدين من كل قواهم، يدفعهم حبّ الله والأمل فيه إلى الاستمرار في بذل المساعي، فيتغلبون على الصّعاب والمشاكل. أجل، فالإيمان بالله سند عظيم للإنسان.
الإيمان بالله مدعاة للثّبات والشّجاعة. الإيمان بالله يحيي في القلوب نور الأمل دائما ولهذا لا يقدم المؤمن على الانتحار، لأنّ الإقدام على قتل النفس إنّما هو دليل على اليأس والقنوط النّابعين من الإحساس بالهزيمة، المؤمن لا ييأس ولا ينهزم.
معرفة الله والشّعور بالمسؤولية ثمّة أطباء إذا راجعهم مرضى فقراء فإنهم فضلاً عن عدم مطالبتهم إيّاهم بأُجرة العلاج والطييب، يعطونهم ثمن الدّواء أيضاً، بل إذا أحسوا بأنَّ مريضهم في حالة خطرة قضوا الليل ساهرين إلى جنبه في بيته المتواضع. هؤلاء أناس يخشون الله ويؤمنون به.
غير أن هناك أطباء آخرين لا يتقدمون خطوة واحدة لمساعدة مريض قبل أنْ يتقاضوا أجرهم، وذلك لضعف إيمانهم. إنَّ الإنسان المؤمن مهما كانت حرفته فإنَّه يشعر بالمسؤولية، ويعرف واجبه، ويعمل الخير ويكون متسامحاً، إنَّه يشعر دائماً بوجود شرطي في أعماقه يراقب أعماله. أمّا الإنسان غير المؤمن فانه شخص أناني، عنيد، خطر، لا يتحمل أية مسؤولية، ولا يرى غضاضة في ظلم الآخرين والاعتداء على حقوقهم، وقلّما يقوم بأعمال صالحة.
معرفة الله والاطمئنان يقول علماء النفس إن الأمراض النّفسية منتشرة في أيّامنا هذه أكثر ممّا كانت في السّابق. ويقولون إنَّ أحد عوامل هذه الأمراض هو القلق ـ القلق من حوادث المستقبل، القلق من الموت، القلق من الحرب، القلق من الفقر، والقلق من الإخفاق. ويضيف هؤلاء:
إنَّ ممّا يساعد على إزالة القلق من روح الإنسان هو الإيمان بالله، فكلما نفذت عوامل القلق إلى نفس المؤمن أبعدها الإيمان بالله عنه ـ ذلك الله الرّحيم، الرّزاق، العالم بأحوال عباده، الذي يعينهم كلّما اتجهوا إليه في طلب العون، ويزيح عنهم دواعي القلق والخوف. ولهذا نجد المؤمن يعمل في الحق مطمئن النفس، لا مكان للقلق في نفسه. وبما أنَّ المؤمن يعمل في سبيل الله، فإذا واجه ضرراً يتوجّه إلى الله يطلب منه دفع الضّرر، وهو لا تفارق الابتسامة شفتيه حتى في ساحة الوغى. ق
ال الله في كتابه الكريم: "الّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُم بِظُلْم أولئك لَهُمُ الأَمْنُ" الأنعام: 82.
المصدر: من كتاب سلسلة أصول الدين، الشيخ مكارم الشيرازي