مفهوم الشفاعة

مفهوم الشفاعة

فان أعظم أمل وآخر ملجأ للمؤمنين المذنبين هو الشفاعة

من المزايا التي خص الله تعالى بها المؤمنين: إن المؤمن إذا احتفظ بإيمانه حتى وفاته، ولم يرتكب الذنوب التي تسلب التوفيق منه، أو تؤدي به لسوء العاقبة، وتنحدر به للشك والارتياب أو الإنكار والجحود، وفي جملة واحدة (إذا رحل عن الدنيا وهو مؤمن)، فان مثل هذا المؤمن سوف لا يتعرض للعذاب الأبدي، وتغتفر له ذنوبه الصغيرة بسبب اجتنابه الكبائر، وتغتفر له كبائره أيضاً، فيما لو صدرت منه التوبة المقبولة والكاملة.

وأما إذا لم يوفق لمثل هذه التوبة فان تحمله لمصائب الدنيا وآلامها ولشدائد عالم البرزخ وأهواله، ومواقف بآيات النشور والقيامة، سوف تأتي على البقية الباقية من أخطائه وأوزاره، وتزيل آثارها.

وإذا لم يتطهر من خلال ذلك كله من أوحال ذنوبه وخطاياه، فان الشفاعة ستقوم بمهمة إنقاذه من عذاب الجحيم وهي أعظم وأشمل مظاهر الرحمة الإلهية المختصة بأولياء الله وخاصة رسوله الأكرم وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام1، ووفقا للكثير من الروايات فان (المقام المحمود)2 الذي وعد به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في القرآن الكريم هو مقام الشفاعة، وكذلك الآية الشريفة: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾3 تشير إلى العفو الإلهي الذي يشمل المستحقين، والذي يتم بشفاعة الرسول صلى الله عليه وآله. ومن هنا، فان أعظم أمل وآخر ملجأ للمؤمنين المذنبين هو الشفاعة، ولكن في الوقت نفسه، يلزم عليهم عدم الأمن من (المكر الإلهي)، وان يكونوا في حذر تام حتى لا تصدر منهم تلك الأعمال التي تؤدي لسوء العاقبة، وسلب الإيمان حال الاحتضار والموت، ويلزم ان لا يترسخ في قلوبهم التعلق والانشداد بالأمور الدنيوية إلى درجة يرحلون معها من هذه الدنيا وهم ساخطون على الله لكونه هو الذي يفرق بالموت بينهم وبين ما يحبونه ويعشقونه ويتعلقون به.

مفهوم الشفاعة : 

الشفاعة مشتقة من مادة (الشفع) أي (الزوج وما يضم إلى الفرد)، وتستخدم في الاستعمالات العرفية: بان يطلب شخص محترم إلى شخص كبير، أن يعفو عن معاقبة مجرم، أو أن يضاعف مكافأة بعض العاملين والخدم. ولعل النكتة في استعمال لفظة الشفاعة في هذه الأمور: إن هذا المجرم لا يستحق العفو، بحد ذاته هو، أو أن مثل ذلك العامل والخادم لا يستحق مضاعفة المكافأة لوحده، ولكن بضم طلب (الشفيع)، يتحقق مثل هذا الاستحقاق.

وفي المجالات المتعارفة، إنما يتقبل الشخص شفاعة الشفيع، بسبب خشيته من أنه إذا لم يقل شفاعته، فسوف يتألم هذا الشفيع ويتأذى، وبذلك يحرم من لذة معاشرته ومؤانسته، أو خدمته، بل ربما أدّى عدم قبوله لشفاعته، أن يلحقه بعض الأذى، والضرر من جانب الشفيع، والملاحظ أن المشركين الذين اعتقدوا باتصاف خالق الكون ببعض الصفات الإنسانية البشرية، من قبيل الحاجة للمؤانسة والمعاشرة مع الزوجة والندمان، أو الحاجة للمساعدين والمعينين المشاركين له في العمل، أو الخوف من النظراء والشركاء، إن أمثال هؤلاء المشركين، من اجل استرحام الخالق الكبير عليهم، واستعطافه، أو من اجل التخلص من سخطه، كانوا يتوسلون إليه بآلهة أسطورية موهومة، أو يفزعون لعبادة الملائكة والجن، أو التذلل أمام الأوثان وكانوا يقولون: ﴿هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ﴾4. ويقولون أيضاً: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾5. ويقول القرآن الكريم حول هذه المعتقدات الجاهلية: ﴿لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ﴾6.

ولكن يلزم التأكيد على هذه الحقيقة: إن إنكار أمثال هؤلاء الشفعاء، أو نفي مثل هذه الشفاعة لا يعني إنكار مطلق الشفاعة، وفي القرآن الكريم نفسه آيات تدل على ثبوت (الشفاعة بإذن الله)، وقد ذكرت فيها شروط الشفعاء والمشفوع لهم، ويجدر أن نعلم أن قبول الله لشفاعة الشفعاء المأذونين ليس بسبب الخوف أو الحاجة إليهم، بل انه طريق فتحه الله تعالى لأولئك الذين لا يملكون إلا أدنى واقل مراتب الاستحقاق للتزود من الرحمة الأبدية وقد عين لهذه الشفاعة بعض الشروط والضوابط. وفي الواقع أن الفرق بين الشفاعة الصحيحة والشفاعة الباطلة هو الفرق بين الإعتقاد بالولاية والتدبير بإذن الله، والولاية والتدبير المستقل.

وقد تستخدم لفظة الشفاعة أحيانا في معنى أوسع من ذلك، لتشمل ظهور أي تأثير خير حسن في الإنسان بواسطة آخر، كما هو الملاحظ في شفاعة الوالدين لأولادهم أو بالعكس، والمعلمين والمرشدين لتلاميذهم بل حتى المؤذن بالنسبة لأولئك الذين تذكروا الصلاة عند سماع صوته، واتجهوا للمساجد، وفي الواقع أن هذا الأثر الخير الحسن نفسه الذي وجد في الدنيا، بتأثير هؤلاء، يظهر في القيامة بصورة الشفاعة والإعانة. والملاحظة الأخرى: إن الاستغفار للعصاة في هذه الدنيا نوع من الشفاعة أيضا، وحتى الدعاء للآخرين، والتوسل إلى الله لقضاء حوائجهم، يعتبر في الواقع، من قبيل (الشفاعة عند الله) لأنها كلها من قبيل الوساطة عند الله تعالى من أجل إيصال خير للشخص، أو دفع شر عنه.

الهوامش:

1- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ادخرت شفاعتي لاهل الكبائر من امتي) بحار الانوار، ج 8، ص 40 37.

2- الاسراء: 79.

3- الضحى: 5.

4- يونس: 18، وكذلك: الروم: 13، الانعام: 94، الزمر: 43.

5- الزمر: 3.

6- الانعام: 51، وايضا: الانعام: 70، السجدة: 4، الزمر: 44.

المصدر: دروس في العقيدة الاسلامية - جمعية المعارف

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com