تتفق جميع الشرائع السماوية في لزوم الإيمان بالآخرة ووجوب الاعتقاد بالقيامة أي المعاد , فقد تحدث الأنبياء جـمـيعاً ـ إلى جانب التوحيد ـ عن المعاد. وعالم ما بعد الموت أيضا وجعلوا الإيمان باليوم الآخر في طليعة ما دعو إليه .
وعلى هذا الأساس يكون الاعتقاد بالقيامة من أركان الإيمان في الإسلام وقد اختص قسم عظيم من الآيات القرآنية بهذا الموضوع..
وقد أطلق على المعاد في القرآن الكريم أسماء كثيرة مثل : يوم القيامة , يوم الحساب , اليوم الآخر, يوم البعث وغير ذلك . وعـلـة كـل هـذا الاهـتـمام والعناية بمسالة القيامة هي أن الإيمان والتدين من دون الاعتقاد بيوم القيامة غير مثمر.
المعاد يعطي الحياة مفهومها إذا تصورنا هذا العالم بدون العالم الآخر لظهر لنا أنَّ عالمنا فارغ ولا معنى له. إنه أشبه ما يكون بافتراض دورة حياة الجنين بدون خروجه من تلك الحياة إلى هذه الحياة الدنيا. إنَّ الجنين الذي يعيش في رحم أمّه، ويقضي في هذا السجن الضيق والمظلم شهوراً عدة، ليأخذه العجب حقّاً لو أنَّه أوتي عقلاً وحكمة ليتفكر بهما في أمره وكونه في سجنه ذاك: ل
لماذا علي أنْ أخوض في هذه المياه والدماء؟ ما نتيجة ذلك؟ من الذي أرسلني؟ ولماذا؟
أما إذا قيل له: إنَّك تقضي هنا فترة مؤقتة، تتشكل فيها أعضاؤك، فتقوى، وتصبح قادراً على الحركة والسعي في عالم كبير آخر، وإنَّ قرار خروجك من هذا السجن سوف يصدر بعد انقضاء تسعة أشهر، فتضع قدمك في دنيا فيها شمس ساطعة، وقمر منير، وأشجار خضر، ومياه جارية، وكثير من النعم الأخرى، عندئذ سيتنفس الجنين الصعداء ويقول: الآن أدركت الحكمة من وجودي في هذا السجن! كذلك هي العلاقة بين الحياة في هذه الدنيا والحياة بعد الموت.
ما الداعي الذي يدعونا أنْ نظل نتقلب في هذه الدنيا سبعين سنة، أو أقل أو أكثر، متحملين العذاب والعناء، نقضي فترة أخرى ندرس ونتعلم، وما أنْ تنتهي مرحلة النضج والتعلم حتى نجد ثلوج الكهولة قد حطت على رؤوسنا! ثم ما الهدف من كل هذا؟ ألكي نأكل ونلبس وننام، ثم لكي نكرر هذا عشرات السنين؟ أفهل هذه السماء الشاسعة، وهذه الأرض الواسعة، وكل هذه المقدمات والدرس واختزان المعلومات والتجارب، وكل هؤلاء الأساتذة والمربين، لم يكونوا إلاّ للأكل والشرب واللبس في هذه الحياة المنحطة المتكررة؟ هنا تتأكد عبثية هذه الحياة وفراغها عند أولئك الذين لايؤمنون بالمعاد، لأنَّهم لا يمكن أن يتصوروا هذه الأمور التافهة هي الهدف والغاية من الحياة، وهم في الوقت نفسه لا يعتقدون بوجود حياة بعد الموت حتى تكون هي الغاية. لذلك نجد أنَّ كثيراً من هؤلاء يلجأون إلى الانتحار للخلاص من حياة عديمة المعنى والهدف.
أمّا إذا صدّقنا أنَّ الحياة «مزرعة» الآخرة، وأنَّ علينا أنْ نباشر بالبذر هنا حتى نحصد الغلة في حياة أبدية خالدة. وإذا علمنا أنَّ الدّنيا «جامعة» علينا أنْ نكتسب منها المعرفة لنعد أنفسنا للعيش في دنيا خالدة، وأنَّ هذه الدنيا ليست سوى «جسر» للعبور. عندئذ لا تكون هذه الدنيا فارغة ولا عبثاً لا معنى له، بل سوف نراها فترة تمهيدية إعدادية لحياة خالدة وأبدية تستحق منّا أكثر من كل هذا الذي نبذله من أجلها. نعم، إنَّ الإيمان بالمعاد يمنح الحياة معنى ومفهوماً، ويخلصها من «الاضطراب» و «القلق» و «العبثية». ولكننا إذا ألقينا نظرة فاحصة في قلوبنا واستطلعنا أعماق أرواحنا، لسمعنا بأذن أرواحنا تمتمة تقول: إنَّ الحياة لا تنتهي بالموت، لأنَّ الموت نافذة على عالم البقاء!
المصدر:
- السبحاني ، جعفر- العقيدة الإسلامية على ضؤ مدرسة أهل البيت -
الشيرازي، ناصر مكارم –دروس في العقائد الإسلامية - ص 267-268