عندما نريد إثبات العدل الإلهيّ، فذلك بمعنى نفي الظلم عن الله عزّ وجلّ، والطريق الواضح لإثبات العدل الإلهيّ، هو أن نبحث عن الأسباب الّتي تدعو إلى الظلم، فإذا كانت هذه الأسباب منتفية، بل غير متصوَّرة في حقّ الله عزّ وجلّ، فهذا يعني أنّه لا يصدر منه الظلم. يعود السـَّبب في ممارسة الظّلم ومخالفة العدل إلى واحد من الأمور التالية:
1ـ الجهل: أي إذا كان الشخص لا يعرف كيف يكون عادلاً فإنّه سوف يقع في الظلم، فالقاضي إذا كان جاهلاً فإنّه سوف يَظلم الناس بسبب جهله.
2ـ الحاجة إلى ممارسة الظلم: قد يرغب الإنسان بشيء ويحتاج إليه، ولكنّه لا يملك وسيلة مشروعة للوصول إليه، فيلجأ إلى أن يظلم في سبيل تحقيق ذلك.
3ـ عدم الحكمة: أي إنّه يفعل الظلم ولا يبالي بأنّ ما يفعله هل هو من الظلم أم لا. هذه الأسباب الثلاثة لا نتصوّرها في حقّ الله عزّ وجلّ أمـّا الأوّل أي الجهل، فلأنّ الله عزّ وجلّ بكلّ شيء عليم، ودليل ثبوت هذا العلم لله عزّ وجلّ التّأمل في نظام الكون، فإنّ من خلق خلقاً بهذه الدِقّة المتناهية لا بدّ وأن يكون عليماً بكلّ شيء.
ترشدنا الآية الكريمة إلى هذا الدليل، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ سورة البقرة – آية 29. والله عزّ وجلّ لا يغيبُ عنه شيء فهو حاضر في كلّ مكان وفي كلّ زمان، قال تعالى: ﴿وَلِلهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة البقرة – آية 115.
ـ الظلم لا يصدر من الله عزّ وجلّ، لأنّ من أسباب الظلم الجهل، والله بكلّ شيء عليم. أمـّا الثّاني، أي الحاجة، فهو أيضاً غير متصوّر في حقّ الله عزّ وجلّ؛ لأنّ هذه الحاجة، إمّا أن تكون إلى خالق مثله أو إلى المخلوق.
والأوّل غير ممكن، لما ثبت في باب التوحيد، من أنّ فرض وجود شريك له هو فرض للمحال.
والثاني غير ممكن، لأنّ الخالق غنيّ عن المخلوقين، فإنّ كلّ ما لدى المخلوق هو من خالقه فكيف يحتاج المخلوق إلى خالقه؟
أمـّا الثالث، أي عدم الحكمة، فالله عزّ وجلّ حكيم، يشهد لذلك التأمّل في خلق السّمواتِ والأرض، فإنّها كلّها أفعال صادرة من الله عزّ وجلّ، وهي في غاية الدّقّة، وتدلّ بوضوح على مدى حكمة فاعلها، وقد تكرّر في القرآن الكريم وصف الله عزّ وجلّ بأنّه حكيم عليم، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيم﴾ سورة النساء – آية 26.
المصدر :معارف الإسلام- جمعية المعارف الإسلامية الثقافية