لم تكن الأحزان والمصائب التي ألمّت بالسيدة زينب"ع" تثنيها عن الدور العظيم الذي قامت به بعد استشهاد الإمام الحسين"ع"، أو أن تستبدّ بها فتنصرف إلى معالجتها وتحول بينها وبين أخذ زمام المبادرة، ولولا مواقفها الجريئة والحقّة لضاعت الأهداف والدماء ولما عرف الناس حقيقة ما جرى في كربلاء، فهي بكلامها وتبيانها للحقيقة ألّبت الناس على حكم بني أمية، وأدّت خطبها في الكوفة والشام إلى تقويض عروشهم ، فكانت بمواقفها وكلماتها سيلاً هادراً يجرف الظلم والظالمين، حيث أسست هذه المواقف فيما بعد لاندلاع الثورات ضد الأمويّين وانهيار حكمهم الذي قام على الظلم والاستبداد . فمنذ سقوط الإمام الحسين "ع" عن فرسه في معركة كربلاء، خرجت السيدة زينب "ع" لتتمم مهمّة سيّد الشهداء وتعمل على كشف الأعداء و إبراز انحرافهم وسقوطهم، فوجّهت خطابها إلى ابن سعد : (يا ابن سعد أيُقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه ؟) ، وهي تعلم أنّ الله قد ختم على قلبه وسمعه وبصره ولن يدفع عن أخيها القتل وإنّما لتعلّم العالم وأهل الحق كيفية كشف زيف الظالمين ومواجهتهم وإبراز المظلومية، عندها يقال أنّ ابن سعد بكى وأعرض بوجهه عنها، لكنه أمر بالإجهاز على الحسين"ع". وعندما دخلت إلى الكوفة كان للسيدة زينب "ع" أوّل خطاب بعد واقعة كربلاء، وتكمن أهمّيته في أنّه موجّه للمجتمع المسؤول عن ما حدث بصورة مباشرة وهو المجتمع الكوفي.. والخطاب أيضاً يعتبر الجولة الأولى في معارك السيدة زينب، ضدّ الإجرام والظلم الأموي... فيقال أنّها أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأصوات، فخطبت خطبة طويلة تضمنت توبيخاً وذمّاً للكوفيين وتوضيحاً لأبعاد الفاجعة وتبياناً لمنزلة الحسين ومقامه وإنذاراً بالانتقام الإلهيّ منهم ومما قالته لهم : (أمّا بعد: يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر. أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة.. إنّما مَثَلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً . تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم.. ثم تقول لهم : إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً.. فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً...) هذا الموقف جعل الناس تعود إلى رشدها وتُدرك من هم المقتولون في كربلاء وعظيم الجناية التي ارتكبوها. وفي مجلس ابن زياد وقفت أمامه لتجيبه بكلّ بسالة وصمود عندما سألها شامتاً بها: (كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟)، فقالت:(ما رأيت إلاّ جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاجّ وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ؟ ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة!!) وفي مجلس يزيد بن معاوية في الشام وقفت وهي المرأة الأسيرة لتخطب خطبة أحدثت ثورة في مجلسه، لتقول له فيما قالته : (أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء أن بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة !! وأنّ ذلك لعظيم خطرك عنده !! فشمخْتَ بأنفك ونظرْتَ في عطفك، جذلاً مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله عزّ وجلّ ( ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نُملي لهم خير لأنفسهم إنما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين ) ، ثمّ لتقول له:(.. ولئن جرّت عليَّ الدَّواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصّدور حرّى! ألا فالعجب كلّ العجب، لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ..) كذلك بعدما رجعت إلى مدينة جدّها رسول الله "ص" أشعلت عليها السلام ثورة من خلال تذكير الناس بمظلومية الإمام الحسين "ع" وإبراز ظلم الطغاة فألّبتهم على الحكم الفاسد ،فكتب والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق إلى يزيد يعلمه الخبر، فكتب إليه يزيد أن فرّق بينها وبين الناس فأمرها الوالي بالخروج من المدينة . ا
بقلم المعاونة الثقافية لمسؤولة وحدة الهيئات النسائية الحاجة هدى مرمر