رسول الحسين

رسول الحسين

رسول الحسين عليه السلام إلى الكوفة

 

خرج مسلم بن عقيل عليه السلام من مكة في منتصف شهر رمضان سنة ستين للهجرة، ودخل الكوفة في اليوم الخامس من شهر شوّال من نفس السنة12. وأوصاه الإمام الحسين عليه السلام أن ينزل عند أوثق أهل الكوفة13، وقد روي أنه نزل عند مسلم بن عوسجة 14، كما روي أنه نزل عند هاني بن عروة ابتداءً15، لكن الأشهر هو أن مسلماًً عليه السلام نزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي ابتداءً ثم تحوّل منها بعد ذلك إلى دار هاني16.

وجعل الإمام مبادرته وإسراعه في القدوم على أهل الكوفة منوطاً بما إذا كتب إليه مسلم بأن حقيقة حالهم على مثل ما قدمت به رسلهم وكتبهم17.

ما هي طبيعة مهمة مسلم بن عقيل في الكوفة؟

لم تكن مهمة مسلم في الكوفة منحصرة في الإعداد والتعبئة فقط حتى يقدم الإمام عليه السلام فتتم البيعة له مباشرة، ثم هو يرى رأيه في كيفية العمل بعد ذلك، بل كان، كما يظهر من الأخبار، أن مسلماًً كان معه صلاحية المبادرة إلى التحرك المباشر والقيام بأهل الكوفة ضد السلطة الأموية هناك حتى قبل مجيء الإمام عليه السلام18.

والظاهر أن الإمام كان يعلم بأن مهمة مسلم سوف تنتهي بشهادته، ولذلك أشعره بأن ختام أمره في هذا الطريق هو الفوز بدرجة الشهادة19.

وأوصاه: "بالتقوى، وكتمان أمره، واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك..."20

. الأسلوب السرّي في تعبئة أهل الكوفة

كان لا بد لمسلم من اعتماد السرّ والرفق في تعبئة أهل الكوفة حتى يستكمل العدد والعدّة الكافيين لتأهيل الكوفة للقيام معه، أو مع الإمام عليه السلام بعد أن يصل إليها21، وقد كانت الأجواء المعنوية والسياسية مؤاتية للتحرك، ولذلك فقد اتخذ له مركزاً في أحد البيوت، وابتدأ يجتمع بالناس الذين أخذوا يتوافدون عليه أفراداً وجماعات ويبايعون الإمام الحسين عليه السلام (وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين، فأخذوا يبكون..."22.

وأخذ عدد الذين يبايعون مسلماًً من أهل الكوفة يتزايد يوماً بعد يوم، حتى بايعه ثمانية عشر ألف رجل في ستر ورفق!"23، حينئذٍٍ24 كتب مسلم إلى الإمام عليه السلام بذلك وأرسله مع عابس بن أبى شبيب الشاكرى:

" أمّا بعدُ، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي هذا، فإنّ الناس كلّهم معك! ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى، والسلام"25.

إنّ هذه البيعة كانت من جهة أهل الكوفة تعبيراً عن الحب والولاء من جانبهم للإمام عليه السلام، ليس أكثر، ولم يكن معناها أن كل الذين يبايعون قد تحولوا إلى تشكيلات منظمة من سرايا وكتائب وقطعات مسلحة جاهزة للقتال، فكانت هذه مهمة أخرى لمسلم، ومرحلة أدق وأصعب من مرحلة تحصيل البيعة وإعلان الولاء، فكان على مسلم، الذي يمثّل قوة سياسية، كانت بعيدة عن الكوفة طوال عشرين عاماً، أن يختصر عشرين عاماً، كانت السلطة الأموية خلالها تبني أقوى تشكيلاتها الأمنية وأخطبوطها الإرهابي، وامتداداتها القبلية والعشائرية، ولذلك كانت المواجهة غير متكافئة تماماً، فمجرد البيعة لا يعني وجود القوة حتى لو كان عدد المبايعين ثمانية عشر ألفاً!! ففي أحد الاجتماعات التي عقدت مع مسلم وبايعه فيها الناس، على كثرة من حضر هذا الاجتماع ممن هو محسوب على التشيّع، لم يقم إلا ثلاثة، استشهدوا بعد ذلك في كربلاء، أظهروا لمسلم استعدادهم التام لامتثال أمره والتضحية في هذا السبيل!26. بينما كان هناك كثرة أظهرت أنها تحبّ الحق ولكنها تكره أن تموت من أجله27.

إن كراهية الموت هنا هي تعبير عن الخوف من الإقدام في ضوء التفوق الكاسح للسلطة الأموية، لأن الإقدام في مثل هذه الحالة يحتاج إلى وعي والتزام كبيرين، وإلى نفوس كبيرة عالية الهمة، وإلى مستوى فكري وعقائدي متين جداًً، لم يكن متوفراً عند جمهور أهل الكوفة، الذي كان يحتاج إلى أن ينجز مسلم مرحلة الإعداد وتشكيل السرايا، فإذا تم ذلك، واستشعر هؤلاء الناس القوة، فإنهم سوف يقاتلون، لأن القتال حينئذٍ مضمون النتيجة، وهذا ديدن الجماهير التي كلما استشعرت الكثرة والتظافر اعتمدت على تجمهرها واعتبرته مصدر قوة فتقوم وتثور، وعلى القيادة بعد ذلك أن تسيّرها نحو أهدافها.

ولما تزايد عدد المبايعين لمسلم انتشر أمره وفشا بين الناس، وكان لا بد للسلطة الأموية من أن تعلم، والظاهر أن النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي والي الكوفة، لم يكن مستعدا ًلتنفيذ استعمال القوة ضد مسلم والمبادرة إلى الهجوم عليه، إما لأن مسلماًً كان في بيت صهره المختار، وإما لأنه كان يتبنّى سياسة معاوية، وهي تحاشي المواجهة العلنية مع الإمام الحسين عليه السلام، بحيث أن معاوية لو اضطر إلى مواجهة علنية وقتال ضدّ الإمام الحسين عليه السلام وظفر به لعفا عنه، وليس ذلك حبّاً للإمام عليه السلام وإنما لأن معاوية يعلم أن إراقة دم الإمام علناً وهو بتلك القدسيّة البالغة في قلوب الأمّة كفيل بأن يفصل الأموية عن الإسلام، ويذهب بجهود حركة النفاق عامة والحزب الأموي خاصة أدراج الرياح، خصوصاً تلك الجهود التي بذلها معاوية في مزج الأموية بالإسلام في عقل الأمة وعاطفتها بحيث أنه لم يعد أكثر هذه الأمة يعرف إلا الإسلام الأموي، حتى صار من غير الممكن بعد ذلك الفصل بين الإسلام والأموية إلا إذا أريق ذلك الدم المقدس، دم الإمام عليه السلام، ضد الحكم الأموي.

فكان النعمان بن بشير يعتقد أن يزيد سوف يطبق سياسة معاوية في تجنب الإصطدام الدموي مع رمز الإسلام المحمّدي الأصيل آنذاك، الحسين بن علي، خوفاً من وقوع الفرز بينه وبين الإسلام الأموي، وبالتالي انكشاف اللعبة النفاقية التي كان يحتاج إليها معاوية في بناء واستمرارية ملك بني أمية! وإما لأن القوة المعنوية لنهضة مسلم كانت قد انتشرت بحيث أنها تحتاج، لمواجهتها، إلى استعمال شرس وعنيف للسلطة الأمنية، ولم تكن شخصية النعمان لذاتها قادرة على ذلك! هذه هي الاحتمالات الممكنة، فلم يكن النعمان بن بشير محباً لأهل البيت عليه السلام ولا ذا ميل إليهم28، بل كان له ولأبيه تاريخ أسود طويل في نصرة حركة النفاق بعد موت النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عثماني الهوى، يجاهر ببغض علي عليه السلام، ويسيء القول فيه، وقد حاربه يوم الجمل وصفّين، كذلك فلم يكن النعمان "حليماً ناسكاً يحبّ العافية ويغتنم السلامة"29، بل تلميذاً نبيهاً في مدرسة معاوية السياسية، فكان يتضعّف مكراً وحيلة، ويعوّل على الأسلوب السرّي والخدعة الخفية للقضاء على الثورة والتخلص من مسلم بن عقيل، بل التخلص حتى من نفس الإمام عليه السلام.

وعلى كل حال، لم يرق موقفه لحلفاء بني أمية في الكوفة30، فأخذت تتوالى رسائلهم إلى يزيد في الشام31 تخبره بمستجدات حركة الأحداث في الكوفة، وبموقف النعمان بن بشير منها، وقد أجمعت على أنه "إن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاًً قوياً، يُنفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف!"32.

المصدر: تاريخ النهضة الحسينية

الهوامش:

12- مروج الذهب، 3، 55. 
13- الفتوح، 5، 36، ومقتل الخوارزمي، 1، 196. 
14- تاريخ الأمم والملوك، 3، 275، مروج الذهب، 3، 55.
15- سير أعلام النبلاء، 3، 299.
16- الإرشاد، 186، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 279، وإبصار العين، 80.
17- الإرشاد: 186، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 28، والأخبار الطوال، 231. 
18- الفتوح، 5، 35، ومقتل الخوارزمي، 1، 195- 196. 
19- الفتوح، 5، 36، ومقتل الخوارزمي، 1، 196. 
20- الإرشاد، 186. 
21- شرح الأخبار، 3، 143. 
22- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
23- الأخبار الطوال: 235،روضة الواعظين، 173. 
24- إن أقل عدد للمبايعين ذكرته المصادر التأريخية هو إثنا عشر ألفاًمناقب آل أبي طالب، 4، 91، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 275، ومروج الذهب، 3، 55، وغيرهم-، وأما ثمانية عشر ألفاً فعليه أكثر المؤرخيناللهوف: 16، وروضة الواعظين، 173، والأخبار الطوال، 235.
25- تاريخ الأمم والملوك، 3، 290، مثير الأحزان، 32. 
26- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
27- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
28- الإمامة

29- الأخبار الطوال، 231. تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
30- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279، والكامل في التاريخ، 3، 386، والأخبار الطوال، 231، والإرشاد، 186. 
31- تاريخ الأمم والملوك، 3، 289. 
32- تاريخ الأمم والملوك، 3، 280. 

والسياسة، 2، 4. 

 

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com