حقيقة القلب

حقيقة القلب

الأمراض التي تصيب القلب كثيرة كالكفر والنفاق، والتكبّر، والحقد، والغضب، والخيانة، والعُجْب، والخوف، وسوء الظنِّ، وقول السوء، والتهمة،والغيبة، والظلم، والكذب، وحبِّ الجاه، والرياء، والقساوة، وغير ذلك من الصفات السيّئة

للقلب مكانة خاصّة في القرآن الكريم، والمراد به "الإنسان بمعنى النفس والروح"1، لأنّ كلّ معاني التعقّل والتفكّر والحبّ والبغض والخوف حتّى لو تمّ نسبها إلى القلب، إلا أن الكسب والاكتساب لا ينسب إلّا إلى الإنسان.

وله نظير في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾2، وقوله تعالى: ﴿وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾3.

 

سلامة القلب ومرضه

إنَّ كلّ أعمال الإنسان تنبع من قلبه، ولذا هو مفتاح السعادة، ومن الضروريّ أن يُعتنى به؛ لأنَّه قد يُصاب بالمرض، يقول تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً﴾4.

 

والأمراض التي تصيب القلب كثيرة كالكفر والنفاق، والتكبّر، والحقد، والغضب، والخيانة، والعُجْب، والخوف، وسوء الظنِّ، وقول السوء، والتهمة،والغيبة، والظلم، والكذب، وحبِّ الجاه، والرياء، والقساوة، وغير ذلك من الصفات السيّئة. قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾5، وقد يكون القلب سليماً من هذه الأمراض، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾6.

ولا بدَّ من التأكيد على أنَّ أمراض القلب ذات أثر خطير، لأنَّه إذا كانت أمراض البدن يقتصر ضررها على الدنيا، فإنَّ أمراض القلب يعمّ ضررها الدنيا والآخرة معاً، وتوقع الإنسان في الشقاء الأبديّ: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾7.

إنَّ الإيمان والعمل الصالح وحسن الأخلاق، كلّ ذلك ينير القلب ويدفع عنه أمراضه، في حين أنَّ الكفر والعمل السي‏ءّ وسوء الأخلاق، كلّ ذلك يؤدّي إلى اسوداد القلب وإصابته بالآفات.

 

القلب في الأحاديث

ركَّزت الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام على مسألة القلب، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعي على شيء من الخير وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر يعتلجان8، فما كان منه أقوى غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصباح يزهر فلا يُطفأ نوره إلى يوم القيامة، وهو قلب المؤمن"9.

وما يستفاد من هذا الحديث هو أنَّ القلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

 

1- قلب الكافر: قلب انحرف عن فطرته فلا خير فيه، ولم يعد له من هدف إلَّا الدنيا، وأعرض عن ربِّه فأصيب بالعمى وغشيته الظُلْمَة.

 

2- قلب المؤمن: قلب قِبْلَتهُ الله، أضاء فيه مصباح الإيمان، يرغب في العمل الصالح ومكارم الأخلاق، عيناه مبصرتان بنور إيمانه.

 

3- القلب المنكّت: وهو قلب فيه من نور الإيمان، لكن فيه أيضاً من سواد المعصية، وخيره وشرّه في حال صراع، فما غلب منهما سيطر على هذا القلب.

 

قساوة القلب

يكون القلب في بداية الأمر مستعدّاً للإستجابة لنداء الفطرة، فإن لبَّى النداء أصبح قلباً نورانيّاً، يضيء فيه مصباح الإيمان، أمَّا إذا تجاهل نداء فطرته، وخالف ميول الخير لديه، فإنَّ هذا القلب سوف تخيِّم عليه الظلمة، وتعرض عليه القسوة شيئاً فشيئاً.

 

ويتحدّث القرآن الكريم عن هذا الأمر فيقول: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾10.

 

نعم إنَّ لقسوة القلب آثاراً خطيرة جدّاً في الدنيا وفي الآخرة، حيث يصبح قلباً مقفلاً لا يصدر منه الخير، ويظهر في الآخرة بأبشع الصور.

 

أطبّاء القلوب

إذا أردنا أن نحافظ على سلامة قلوبنا ونتجنَّب الأمراض، فلا بدّ من الطبيب الحاذق، أمَّا أطبّاء القلوب فهم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، لأنَّهم العارفون بحقيقة القلوب وما يصلح لها وطرق علاجها، ولذا يتحدّث أمير المؤمنين عليه السلام

عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "طبيب دوَّار بطبِّه قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه11، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه"12.

وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾13، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الذكر أنا والأئمّة أهل الذكر"، وقوله عزّ وجل: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾14، قال أبو جعفر عليه السلام: "نحن قومه ونحن المسؤولون"15.

 

  • من كتاب دروس في تزكية النفس نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية

هوامش

1- السيد محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان، ج2، ص 223.

2- سورة البقرة، الآية: 283.

3-سورة ق، الآية: 33.

4- سورة البقرة، الآية: 10.

5- سورة التوبة، الآية: 125.

6- سورة الشعراء، الآيتان: 88 و89.

7- سورة الإسراء، الآية: 72.

8- أي يتصارعان.

9- الكليني، الكافي، ج 2، ص 423.

10- سورة الأنعام، الآية: 43.

11- مواسمه جمع ميسِم وهو المكواة، يُجمع على مواسم ومياسم.

12- نهج البلاغة، خطبة: 108.

13-سورة الأنبياء، الآية: 7.

14- سورة الزخرف، الآية: 84.

15- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 210.

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com