الحجاب عفة وحياء

الحجاب عفة وحياء

ليس الحجاب مجرّد قطعة من القماش أو منديل يستر رأس المرأة، بل هو حالة تسمو بإنسانيّة المرأة إلى مصافّ الطهر والعفّة والصفاء، وترتقي بها من أنثى تقصر اهتمامها على الجانب الجماليّ الأنثويّ في شخصيّتها إلى الاهتمام بكمالها، وجمالها الإنسانيّ، والتركيز على صفاتها الإنسانيّة كإنسان يكمّل دورُه دورَ الرجل في الحياة، فينطلق كلاهما لبناء الحياة الإنسانيّة الراقية المتسامية المتعالية على الغرائز والشهوات من غير أن تلغيها، بل تضبطها وفق ضوابط تجعلها تتحرَّك في دائرة العلاقة الزوجيّة.

 

* الحجاب الكامل
إنّ هذا المقال لا يهدف إلى البحث في وجوب الحجاب باعتباره ضرورة من ضرورات الدين، التي لا يجادل فيها إلّا من يجادل في آيات الله وبيّناته وفي حِكمته في التشريع وعِلمه بما يصلح عليه أمر الإنسان في الحياة. وإنّما يهدف إلى الحديث عن الحجاب الكامل الذي كُلّفت به المرأة ليحفظ لها إنسانيّتها الكاملة بعيداً عن الإغراء والإثارة والفتنة في المجتمع، وليترك لها الحقّ في إبداء زينتها وما يستتبعها من إثارة، وغنج، ودلال في بيتها الزوجيّ، بل يحثّها على ذلك هناك.

إذاً، فتعالَوا نقرأ الآيات الكريمة التي تحدّثت عن الحجاب كي يتّضح لنا الهدف من إيجابه على المرأة ومن ثمّ نجعل المدلول القرآنيّ مقياساً تقيس المرأة واقع حجابها عليه، لأنّنا بتنا نشهد ظاهرة حجاب غريبة في العقد الأخير لعلّها أسوأ من السفور نفسه؛ حيث الكثير من النساء يستُرن الشعر ويكشِفن ما سواه، يغطّين الرأس ويبدين زينةً فاضحةً تتمثّل بالإكثار من المساحيق على الوجه والاكتحال وتسوية الرموش، بأشكال متنوّعة، تبدو زينتها واضحة للرائي، واستعمال أحمر الشفاه، وطلاء أظافر اليدين والقدمين، ولبس السروال واللباس الضيّق، فضلاً عن وصل الشعر وتكثيفه حتّى تبدو المرأة كأنها آتية من عصر الفراعنة، هذا فضلاً عن التهتّك في الحركة، والخضوع في القول، وفعل الكثير من الممارسات التي لا تنسجم مع الستر الذي أمر الله به.

* أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَيْن
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الأحزاب: 59).
فقد أمرت الآية كلّ النساء، نساء النبيّ ونساء المؤمنين، أن يسترن جميع أبدانهنّ بالجلابيب، والجلابيب جمع جلباب، وهو الثوب الذي ترخيه المرأة على بدنها كلّه فيستره وهو الشبيه بالعباءة المتعارفة اليوم، ويصحّ كلّ ثوب يستر البدن ولا يشخّصه ويجسّمه.

والعلّة في ذلك المنع من معرفتهنّ كمقدّمة لمنع وقوع الأذى عليهنّ من قِبَل الفسّاق وأهل الشهوات الطامحة. والمعرفة هنا يحتمل فيها تفسيران:

الأوّل: أن يُعرفن من بين النساء، أنّهن ينتسبن إلى رسول الله أو إلى فلان من المؤمنين، فيؤذَين إمعاناً في الأذى للنبيّ أو لزوجها أو أبيها أو واحد من أرحامها، سواء بالكلام البذيء أو غيره.

الثاني: أن تُعرف مفاتنهنّ وزينتهنّ ممّا يُسبّب الأذى لهنّ.

قد يُقال: إنّ زواج المرأة ربما يتطلّب هذا النوع من إثارة إعجاب الرجال بمفاتنها، فلا وجه لإيجاب الستر عليها؛ لأنّ الأذى معدوم من رأس الفرض.

والجواب: إنّ المرأة إذا ما توسّلت بالسفور للارتباط بالرجل، فإنّ هذا الارتباط لن يدوم طويلاً، بل سينتهي عندما ينتهي إعجابه بمفاتنها، أمّا إذا كان السبيل للارتباط بها جمالها الإنسانيّ، والروحيّ والأخلاقيّ فإنّه يدوم ويكبر ويشتدّ كلّما تقدَّم الزمن.

* العفاف خير لهنّ
وهنا أمور ينبغي التوقّف عندها:

أوّلاً: إنّ كلّ ثوب يُجسّم البدن لا يُعتبر ساتراً. وبهذا يَحرُم لبس السروال الضيّق وكذلك القميص وما شاكله إن كان مجسّماً لبدن المرأة.

ثانياً: إنّ لبس المرأة للساتر الشرعيّ، وهو اللباس الفضفاض الذي لا يُجسِّم البدن يحميها من الأذى، ودفع الأذى واجب عليها. فالمرأة المكشوفة، المسترسلة المبتذلة تجرّ على نفسها الأذى ما يوجب عليها أن تحصِّن نفسها بالعفَّة والحياء والتستّر الخالص صوناً لنفسها، وشرفها، وسمعتها وكرامتها.

ثالثاً: إنّ على المرأة، مضافاً إلى إرخائها لثوبها على جميع البدن -خلا الوجه والكفّين- أن تبتعد عن كلّ ما يثير عندما تقابل الرجال أو تتعامل معهم، فإنْ لم تفعل ذلك، كانت متهتّكة غير متستّرة ولو كانت مغطية للرأس وكامل البدن وهذا ما دلَّ عليه قوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (الأحزاب: 32).

رابعاً: نهى القرآن الكريم النساء عن التبرّج وإظهار الزينة، وهذا يشمل جميع أنواع الزينة التي تهدف إلى الإثارة والإغواء والإغراء، ودعا إلى العفّة والحشمة، تستوي في ذلك الكبيرة والصغيرة منهنّ والشابة والعجوز، قال تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور: 60).

* التبرّج من الجاهليّة
عدَّ القرآن الكريم التبرّج مظهراً من مظاهر الجاهليّة. ويُراد بالجاهليّة تلكم الأعراف والقِيَم التي تتناقض مع قِيَم الإسلام والأعراف التي يرتضيها، وعليه يكون كلّ ما تخرُج به علينا دُور الأزياء في هذا العصر من تصاميم تدعو إلى السفور مظهراً من مظاهر الجاهليّة. والسفور كشف ما ينبغي أن يكون مستوراً عن الغير، وما أكثر السافرات في هذه الأيام، وهو سفور تعمل عشرات، بل مئات المؤسّسات الإعلاميّة والدعائيّة، والثقافيّة، والفنيّة ودُور الأزياء على الترويج له ليلاً ونهاراً حتّى صارت السافرة -ترى وخطأ فاحش ما ترى- أنّ السفور علامة للمرأة العصريّة ودليل على كمالها وارتقائها، وليت الخطب وقف عند السافرة من النساء، بل سَرَتْ تلكم القناعة الزائفة الباطلة إلى نساء المؤمنين، فبِتْنَ يَحْتَلْنَ على الحجاب بشتّى الحيل، ويلجأن إلى أساليب ملتوية للتحايل على الحجاب الشرعيّ ولا يعبأن بحلال أو حرام، أو عفَّة وحشمة.

* زكاة الجمال
إنّ الحجاب عفَّة أوّلاً وآخراً، وأفضل العبادة العفاف، وهو زكاة الجمال، وأفضل شِيَم الأشراف، ورأس كلّ خير، يصون النفس وينزِّهها عن الدنايا. والحجاب حشمة وحياء والحياء سبب إلى كلّ جميل، ولا يأتي إلّا بخير، وهو أحسن ملابس الدنيا. والحجاب صَوْنٌ يَصُون المرأة من أن تكون مبتذَلة يراها العامّ كما الخاصّ، بل يحفظها كما يحفظ المحار اللؤلؤة، ويَصُونها كما يَصُون الرمش العين. وهو حرزٌ تحترز به المرأة المؤمنة من العيون الطامحة والأنفس الأمَّارة، والحجاب طهارة في النفس وصفاء في الروح ونقاء في الفكر وخلوص في الإيمان ونقاء في المعتقد، والتزام بالواجب.

وإنّه لَمِن أكبر الواجبات على المرأة في عصرنا هذا أن تصوغ شخصيّتها على أساس متين من العفَّة والحشمة والحياء، وأن تنطلق في الحياة وفق منظومة القِيَم الربّانيّة العالية التي دعت إلى الستر والعفّة وناهضت التبرّج والسفور، ليكون حجابها داعية من دعاة الخير والصلاح، وعنواناً يدعو إلى الله تعالى من خلال ما تعيشه المرأة المؤمنة من التزام أكيد بشرع الله فيكون الحجاب شعاراً للحياة الفاضلة وعنواناً للرقيّ الأخلاقيّ، وطريقاً نحو الفلاح الدينيّ، وسبيلاً إلى الاستقرار النفسيّ والاجتماعيّ. وعلى نسائنا اليوم، ونحن نواجه حرباً، بل حروباً ناعمة تريد النيل من عفَّة شبابنا وبناتنا، أن يعملن على تنشئة الأجيال على قِيَم السماء السامية التي تسعى للسموّ بالإنسان من مهابط الرذيلة إلى قِمَم الفضيلة.
 

* موقع مجلة بقية الله الاكتروني-السيّد بلال وهبي

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com