- الخصائص الفاطمية

- الخصائص الفاطمية

إن فاطمة في مجال الدفاع عن حريم الولاية كانت كالبحر الهائج الذي وصلت أمواجه إلى الأوج فكان كل ما لديها فداءً لعليّ (ع) ولمقام علي (ع)؛

قال رسول الله (ص) " إذا اشتقتُ إلى الجنة شممتُ رائحة فاطمة" (1).

إن وجود السيدة الزهراء (ع) هو مسجد العشق وريح الرضوان. ومهما كان القول متعالياً متسامياً فإنّه عاجز عن تعريف شخصية يعود أصلها إلى الملكوت، وتعود جذورها وأوراقها إلى عالم الناسوت، فالكلام هو حقيقة تعود إلى مكانٍ ما، وتلك الشخصية تعود إلى مكان آخر.

لذة الخدمة الإلهية عند السيدة فاطمة الزهراء (ع)‏

كانت فاطمة (ع) لا تُقبل على شيء كما تُقبل على طاعة الله، والتي كانت تشكل عندها لذة وحلاوة خاصة، فهي سبيل الوصول إلى العظمة الإلهية: " شغلتني عن مسألته لذة خدمته؛ لا حاجة لي غير النظر إلى وجهه الكريم" (2).

ومن هنا لم يكن هناك أي شيء يمكنه تسكين هذا العشق سوى ذكر الله الذي كان دائماً على لسانها: "وارزقني ... بشرى منك يا رب ليست من أحد غيرك تثلج بها صدري وتسرّ بها نفسي، وتقرّ بها عيني، ويطمئن بها قلبي" (3).‏ لو طالعنا ساحة السلامة الروحية والنفسية لوجدنا طائراً طاهراً خفيف الجناح، بعيداً عن كل ما هو قبيح قد ملأ حسنُه وفضائلُه الأرجاء: "اللهم انزع العجب والرياء والكبر والبغي والحسد والضعف والشك والوهن والضرّ والأسقام والخذلان والمكر والخديعة والبلية والفساد من سمعي وبصري وجميع جوارحي وخذ بناصيتي إلى ما تحب وترضى" (4).

‏ العالمة والمعلِّمة‏

لو عدنا إلى ساحة العلم لوجدنا أن حقيقة العلم في سماء وجودها هي كنجمةٍ مضيئةٍ تترك شعاعاً خاصاً، فترى بذلك كل ما كان في الماضي الأزلي، وتدرك ما يجري في الحاضر وتعلم أسرار المستقبل " نادت (فاطمة): أُدن (يا أبا الحسن) لأحدثك بما كان وبما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيامة حتى تقوم الساعة" (5).‏ كانت فاطمة (ع) تتعلّم كل ما تسمعه من الوحي النبوي، ثم تبذل قصارى جهدها في الحفاظ على تلك العلوم السماوية، فكانت تعتقد أن لا شيء يعدل ذلك، لا بل كانت على استعداد لتقديم ولديها الحسنين (ع) على أن لا تتخلى عن الكلام السماوي والنداء الملكوتي: "فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً" (6).

‏ وكانت (ع) لا تتعب في مقام تعليم المعارف الإلهية، ولا يضنيها أي صعوبةٍ أو ألمٍ في ذلك، وكانت روحي فداها تقول: "اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل عليَّ" (7).‏

كفؤ الزهراء (ع)‏

كان الإمام علي (ع) يعتقد أن أفضل زوجة ليست تلك التي لا تسمح لزوجها بالوقوع في الأخطاء، وليست تلك التي لا تمنع زوجها من الحركة في مسير الكمال والعبودية لله تعالى، بل هي التي تساعده في هذا المسير الصعب

.يقول الإمام عليّ (ع): "الزهراء نعم العون على طاعة الله" (8).‏ إذا كانت معرفة الكفؤ وسيلة لمعرفة الشخص، فلا يمكن معرفة الزهراء )ع) إلا من خلال كفئها عليّ (ع)، فلو لم يكن عليٌّ لما كان للزهراء (ع) كفؤ. عن الإمام أبي عبد الله (ع): "لولا أنّ أمير المؤمنين تزوجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى يوم القيامة من آدم فمن دونه" (9).‏

دفاعها (ع) عن حريم الولاية‏

إن فاطمة في مجال الدفاع عن حريم الولاية كانت كالبحر الهائج الذي وصلت أمواجه إلى الأوج فكان كل ما لديها فداءً لعليّ (ع) ولمقام علي (ع)؛ وهي التي قالت: "روحي لروحك الفداء ونفسي لنفسك الوقاء" (10). وعندما شاهدتهم يأخذون علياً مكرهاً إلى المسجد قامت قائلةً: "خَلُّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً بالحق لئن لم تخلّوا عنه .. لأضعنَّ قميص رسول الله (ص) على رأسي ولأصرخنَّ إلى الله تبارك وتعالى فما ناقة صالح بأكرم على الله مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي" (11).‏

مظهر الرأفة الإلهية‏

الزهراء (ع) هي المظهر الكامل للعطف والحنان والرأفة الإلهية، حتى أنها كانت بالنسبة للعصاة من الشيعة كمطر الرحمة الذي يجلي الذنوب ويرفع الكدورات: "إلهي وسيدي، أسألك بالذين اصطفيتهم وببكاء ولديَّ في مفارقتي أن تغفر لعصاة شيعتي وشيعة ذريتي" (12).

‏ ابتعادها عن الدنيا (ع)‏

من الجميل أن ننظر إلى الزهراء (ع) كيف كانت تتعاطى في مسألة الابتعاد عن الدنيا والميل نحو العقبى، عندها ربما نفهم لمَ كانت الآلام والصعاب تَسْهل وتَهون عليها. كان رسول الله (ص) يخاطبها عندما يشاهدها تطحن القمح بإحدى يديها وتمسح وجه الحسن بالأخرى: "يا بنتاه! تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة؛ فتقول: يا رسول الله!، الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه" (13).‏

الزهراء (ع) في مقام تربية الأبناء‏

أما الزهراء (ع) في مقام تربية الأبناء، فكانت كالمزارع العطوف الذي يتعامل بكل رفقٍ وحنانٍ مع زهوره، يتابعها بكل عناية ودقة حتى يحين وقتها فينتشر عطرها في وجود المجتمع البشري، فتنقله إلى أوج العبودية والعدالة. لقد كانت (ع) تأمر أبناءها بطاعة الله والعبودية لله وتوصيهم بوصايا تجعلهم في مصافّ والدهم عليّ (ع).‏ أشبه أباك يا حسن!‏ واخلع عن الحق الرسن‏ واعــبد إله ذا منن‏ ولا توال ذا الإحن (14).‏

تحملها (ع) المصائب

لقد ارتقت الزهراء (ع) إلى مستوى الصلابة في تحمل المشكلات وقبول المصائب التي لم تهز بنيانها الثابت: "يا ممتحنةُ امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة" (15).‏ بناءً على ما تقدم يجب القول إن السيدة الزهراء (ع) كانت قدوةَ النساء وإمامَ الرجال وزعيمةَ قاطبةِ الفضلاء. وبما أن الرضا والغضب وصفان يجمعان كافة الأوصاف الإنسانية، على أساس أن عمل الإنسان إما أن يكون مورد رضى الله تعالى أو مورد غضبه، وبما أن فاطمة (ع) مظهر رضا الله وغضبه، قال رسول الله (ص): "يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك" (16)، لذلك من المناسب دراسة جميع الأوصاف الإنسانية طبق معيار رضى فاطمة (ع) وغضبها.‏

  أية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي

الهوامش:

(1) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 218.‏

(2) الخصائص الفاطمية، الشيخ محمد باقر الكجوري، ج 2، ص 385.‏

(3) بحار الأنوار، ج 83، ص 67، ذكر تعقيب صلاة الظهر.‏

(4) بحار الأنوار، م.س، ج 83، ص 86.‏

(5) عيون المعجزات، حسين بن عبد الوهاب، ص 54.‏ (

6) دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، ص 66.‏

(7) بحار الأنوار، م. س، ج 2، ص 3.‏

(8) م. س، ج 43، ص 117.‏

(9) أمالي الصدوق، ص 474، ح 18.‏

(10) الأنوار العلوية، الشيخ جعفر النقدي، ص 280.

‏ (11) بحار الأنوار، م. س، ج 28، ص 206.

‏ (12) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري، ص 53.‏

(13) بحار الأنوار، م. س، ج 43، ص 86.‏

(14) فضائل الخمسة، الفيروز آبادي، ج 3، ص 21.‏

(15 ) بحار الأنوار، م.س، ج 97، ص 114، زيارة السيدة الزهراء (ع).‏ (

16) كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، ج 1، ص 458.‏

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com