الحياء من الإيمان

الحياء من الإيمان

الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه

 

بقلم السيد سامي خضرا 

من الصفات التي عُرف بها رسول الله (ص) صفة الحياء، فاقتفى المسلمون أثره واقتدوا به في هذه الصفة كما في سائر أخلاقه وهَدْيه (ص( واستقرت هذه السجيَّة الجميلة في مسلك أفراد المجتمع الإسلامي، رجالاً ونساءً، حتى دخل الحياء المظاهر المسلكية كافة كغضّ‏ِ البصر وكفّ‏ِ اللسان وتخيُّر الألفاظ المناسبة والاحتفاظ بالأسرار والأحداث التي يُمكن لو عُرفت أو نُشرت أن تخدش الحياء الاجتماعي وتسبب أضراراً عامة.‏

فكان المرءُ يرى، وحتى مدى قريب، كيف أنّ‏َ الجوَّ العام في الوسط الإسلامي يندر أن ترى فيه علناً ما يُثير الشبهات، لجهة اللِّباس المحتشم للرجال والنساء، وعدم تشبه كلا أفراد الجنسين ببعضهما، وعدم تجرُّؤ أحد على قول ما يُخالف الآداب العامة، وإلاّ كان المجتمع الإسلامي الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر له بالمرصاد.‏

ماذا يحدث اليوم؟!‏

إلاّ أنَّه وبعد انتشار الأفكار الغربية في القرن الأخير في مجتمعنا، بتشعُّباتها ومخازيها وتهاونها وتجاوزاتها ومخالفتها للفطرة البشرية وتنكُّرها للوقائع التاريخية وتشبثُها بالمظاهر المادية..

بعد الانتشار هذا، أخذت صفة الحياء تضمر وتضعف وتنزوي حتى صوَّرها البعض وكأنها ثلمة لا ينبغي أن تكون في الشخصية المتحضِّرة والمجتمع المتطوِّر!‏  حتى باتت الإشارة إلى ضعف شخصية الرجل وإلى تخلُّف المرأة متلازماً مع الإشارة إلى صفة الحياء فيه!‏ وفي السنوات الأخيرة استكملت الهجمة فصولها من خلال الفضائيات التي لم تبق ولم تذر، فأخذت ببث المشاهد والكلمات، وعلى مدار الساعات، والتي رُبَّما تُخجل الزوجة أمام زوجها، فضلاً عن أفراد الأسرة الآخرين.‏

الحياء صفة أهل الإيمان:‏

حيث اشتُهر عن مولانا رسول الله (ص) أنَّه كان أشدَّ حياءً من الفتاة في خدْرها، وكان غاضاً لبصره، ويحمر وجهه في بعض المواطن، أو يلتفت إلى الجهة الأخرى، أو كأنَّه لم يسمع ما قد قيل له... صيانة للحياء السائد.‏ وورد عنه في النصّ‏ِ الشريف «الحياء خيرٌ كلُّه»(1).

لذا كان الحياء بكل أشكاله وتفاصيله مطلوباً لأهل الإيمان في تعاملهم وطريقة عيشهم ولباسهم وألفاظهم ونظراتهم وأحاديثهم وتصرفاتهم. ويكفي أن الحياء تشبُّه بالصالحين ممَّن سبق من عباد الله عزَّ وجل، الذين أحبُّوه وأحبَّهم، حيث ورد في النص المبارك عن مولانا رسول الله (ص): «لو كان الحياء رجلاً لكان صالحاً»(2).‏

وعندما أراد الله جلّ‏َ جلاله أن يصف أبرز ما عند المرأة المؤمنة قال سبحانه: «فجاءته إحداهما تمشي على استحياء»(3). فجعل صفة الحياء العنوان الأساسي للمرأة التي ترعرعت في بيت الأنبياء (ع).‏ الحياء أساسٌ لكل خير:‏ قد يظن البعض أنّ‏َ الحياء صفة مستقلة لا دخل لها في الصفات الأخرى، كما ظنُّوا اشتباها أنّ‏َ الحياء للمرأة دون الرجل، أو أنّ‏َ المرأة القويَّة الشخصية ليس عندها حياء! والحقيقة أنّ‏َ الحياء رأس الصفات الأخلاقية والمكارم النفسانية وكافة العلاقات الإنسانية... حتى السياسية منها، لأنَّه ما كان في شي‏ء قط إلاَّ زانه، كما أنّ‏َ مخالفه، يعني الفحش، ما كان في شي‏ء قط إلاّ شانه، كما ورد في النصوص الشريفة عن مولانا رسول الله (ص).‏

فخصال المكارم بعضها مُقيَّد ببعض، وهذه قاعدة أخلاقية عامة، تماماً كالصورة الجميلة جميلة بكل أجزائها وتفاصيلها، ولا تكون كذلك إذا أصاب التشوُّه بعض نواحيها.‏ وكما يشير الإمام الصادق (ع): أن رأس الصفات الأخلاقية الحياء، فيدخل في صدق الحديث وإعطاء السائل وأداء الأمانة وصلة الرحم والتودُّد إلى الجار والصاحب وإكرام الضيف...‏ الحياء من الناس مطلوب كما نستحي من الله تعالى:‏ فالمسلم يحرص على مجانبة العيوب والسقطات أمام الله جلّ‏َ جلاله، وقد أُمر بالتوبة والإنابة، كما أُمر بستر الذنوب لو ابتُلي بها... كذلك عليه أن يكون أمام الناس حتى لا يقسو قلبه وينحرف مزاجه الفطري.

ورد في النص المبارك عن رسول الله (ص): «مَنْ لم يستح من النَّاس، لم يستح من الله سبحانه»(4).‏ فإنّ‏َ ذلك يكون أردع له عن الطغيان والتجبُّر، وتعويداً على نهج طريق الحقّ‏ِ، وتطويعاً للنفس الأمّارة وهذه لفتة تربوية هامة على قاعدة، إن لم تبك فتباك، وهذا يُعظِّم الإيمان في القلوب إن شاء الله.‏

وقد عرَّف الحياء بأنه: تركُ فعلِ ما يخجلُ منه لو عُرف.‏ لا إيمان بلا حياء:‏ فهما مقرونان ببعضهما، حيث لا يُتصوَّر تاركُ الحياء مؤمناً وهو وقحٌ غارقٌ في الحرام والشُّبهات، متنكب عن طريق أهل الإيمان... ولا يُتصور المؤمن إلاّ حيِيّاً «فالله يُحبّ‏ُ الحييّ‏َ المتعفِّف، ويُبغض البذي‏ء السائل الملحف»(6) والنصوص في ذلك مستفيضة إلى درجة أن ذكرها بحاجة إلى كلام مستقل، ونكتفي ببعضها:‏ ورد عن علي (ع): «كثرة حياء الرجل دليل على إيمانه»(7).‏ وعن الصادق‏(ع): «لا إيمان لِمَنْ لا حياء له»(8).‏ وعن الباقر (ع): «الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه»(9).

أين يتأكد الحياء؟‏

الحياء مطلوب دوماً ومن الجميع وبدون استثناء، إلاّ أنَّه يكون اكيد للنساء على وجه الخصوص، وعند العيب، وعند الشيب، ومَنْ كان له شأنٌ بين الناس، وأن يستحي المرءُ من نفسه، فكيف من الناس ومن نبيِّه ومن إلهه عزَّ وجل؟‏ إذا لم تستحِ فاعملْ ما شئت‏ ‏تبقى الإشارة إلى أنّ‏َ الكلمة المشهورة «إذا لم تستحِ فاعملْ ما شئت» إنَّما هي حديث شريف مروي بطرق مختلفة(10) وجرى مجرى المثل بين النّاس.‏

 

 الهوامش :

(1) بحار الأنوار، ج‏71، ص‏335‏

(2) ميزان الحكمة، ج‏2، الحديث 4552‏

(3) سورة القصص المباركة، الاية 25‏

(4) ميزان الحكمة، ج‏2، الحديث 4581‏

(5) بحار الأنوار، ح‏78، ص‏200‏

(6) بحار الأنوار، ج‏71، ص‏271‏

(7) غرر الحكم‏

(8) بحار الأنوار، ج‏71، ص‏331‏

(9) المصدر نفسه، ج‏78، ص‏177‏ (10) راجع بحار الأنوار، ج‏71، ص‏333 

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com