الإمام الرضا (ع)

الإمام الرضا (ع)

إنتشر علم الإمام وفضله، أخذت الأفئدة والقلوب تشدّ اليه،فكثر التفاف المسلمين حول الإمام الرضا (ع) وازدادت أعدادهم، ممّا دفع بالخلافة العباسية إلى محاولة سحب البساط من تحت أرجل الإمام (ع) وأعوانه قبل أن تستفحل الأمور ويصعب السيطرة على الموقف بعدها،

 

هو الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت عليهم السلام القائم بالإمام بعد أبيه موسى بن جعفر (ع) لفضله على جماعة أهل بيته وبنيه وأخوته في عصره، ولعلمه وورعه وكفاءته لمنصب الإمامة، مضافاً إلى النصوص الواردة في حقّه من أبيه على إمامته.

ولد في المدينة سنة 148 هجري، واستشهد في طوس من أرض خراسان في صفر 203 هجري، وله يومئذ 55 سنة، وكانت مدة إمامته بعد أبيه 20 سنة.

نما إيمانه (ع)، وعلا شأنه، وارتفعت مكانته، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته، وفوّض إليه أمر خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد زواج ابنته، وكانت مناقبه عليّة، وصفاته ثنيّة، ونفسه الشريفة زكيّة هاشميّة.

 عاش الإمام الرضا (ع) في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيين والرومانيين وغيرهم، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحدة وأحبار اليهود، وبطارقة النصارى، ومجسّمة أهل الحديث. وفي تلك الأزمنة أُتيحت له (ع) فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم، فظهر برهانه وعلا شأنه. يقف على ذلك من اطّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء.

ولما انتشر علم الإمام وفضله، أخذت الأفئدة والقلوب تشدّ اليه، وفي الأمّة الإسلامية رجال واعون يميزون الحق من الباطل، فكثر التفاف المسلمين حول الإمام الرضا (ع) وازدادت أعدادهم، ممّا دفع بالخلافة العباسية إلى محاولة سحب البساط من تحت أرجل الإمام (ع) وأعوانه قبل أن تستفحل الأمور ويصعب السيطرة على الموقف بعدها، فلجأ المأمون إلى مناورة ذكية ماكرة استطاع من خلالها قلب تيار الأحداث لصالحه، حيث استقدم الإمام الرضا (ع) وجملة من وجوه الطالبيين إلى مقر الحكومة آنذاك في مرو من مدينة رسول الله (ص)، معززين مكرّمين حتى أنزلوهم إلى جوار مقر الخلافة ريثما يلتقي المأمون بالإمام علي بن موسى (ع).

وما كان من المأمون إلاّ أن بعث إلى الإمام الرضا (ع) قبل اجتماعه به، فعرض عليه الخلافة، فأنكر الرضا (ع) هذا الأمر، فرد عليه الرسالة: فإذا أبيت ما عرضت عليك فلابد من ولاية العهد بعدي، فأبى عليه الرضا إباء شديداً. ثم التجأ المأمون للتهديد قال في كلامه: إنّ عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدّك أمير المؤمنين (ع) وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه، ولابد من قبولك ما أريد منك فإنّي لا أجد محيصاً عنه. فقال له الرضا (ع) : «فإنّي أجيبك الى ما تريد من ولاية العهد على أنّني لا آمر، ولا أنهى، ولا أفتي، ولا أقضي، ولا أولي، ولا أعزل، ولا أغير شيئاً ممّا هو قائم» فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه. ليس بخاف على ذي لب مغزى إصرار المأمون على تولية الإمام الرضا (ع) لمنصب ولاية العهد، وتبدو هذه الصورة واضحة عند استقراء الأحداث التي سبقت أو رافقت هذه المؤامرة المحكمة.

فعندما قدّم هارون الرشيد ولده الأمين رغم إقراره ومعرفته بقوة شخصية المأمون وذكائه قياساً بأخيه المدلل الذي لا يشفع له إلاّ مكانة أمّه زبيدة الحاكمة في قصر الرشيد، كان يعني ذلك ايذاناً بقيام الفتنة التي حصلت من بعد وراح ضحيتها عشرات الألوف وعلى رأسهم الأمين الذي وقف العباسيون إلى صفّه وقاتلوا معه، ولما انتقلت السلطة بأكملها إلى المأمون المستقر في خراسان والمدعوم بأهلها آنذاك، فقد واجه خطر نقمة أكثر العباسيين وعدائهم له وتحيّنهم الفرص السانحة للانقضاض عليه وعلى حكمه.

وفي الجانب الآخر كان الشيعة في كلّ مكان يرفضون ويناصبون الخلافة العباسية العداء نتيجة سوء صنيعهم وظلمهم للعلويين ولآل البيت خاصة، والذين يشكل شيعة خراسان جانباً مهماً منهم. وهكذا فقد اندلعت في عهد المأمون في انحاء الدولة الكثير من الثورات تناصرها الآلاف من الناس الذين ذاقوا الأمرّين من حكم الطواغيت والظلمة.

وهكذا فقد أدرك المأمون مدى تأزّم الموقف وتخلخل وضع الحكومة آنذاك، فلم يجد بداً من تظاهره أمام الرأي العام الشيعي ( الذي كان من أقوى التيارات المؤهلة للإطاحة بالخلافة العباسية دون أي شك ) بتنازله عن الخلافة ( التي قتل أخاه من أجلها ) إلى الإمام الرضا (ع) إمام الشيعة وقائدهم . وهكذا فبعد قبول علي بن موسى الرضا (ع) بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء، فخفقت الألوية على رأسه  كان الإمام في مرو يقصده البعيد والقريب من مختلف الطبقات وقد انتشر صيته في بقاع الأرض، وعظم تعلّق المسلمين به، ممّا أثار مخاوف المأمون وتوجّسه من أن ينفلت زمام الأمر من يديه على عكس ما كان يتمناه، وما كان يبتغيه من ولاية العهد هذه، وقوّى ذلك الظن أنّ المأمون بعث إليه يوم العيد في أن يصلّي بالناس ويخطب فيهم فأجابه الرضا (ع) : «إنّك قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر، فاعفني في الصلاة بالناس». فقال له المأمون: إنّما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك. ولم تزل الرسل تتردّد بينهما في ذلك، فلمّا ألحّ عليه المأمون، أرسل إليه الرضا: « إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) فقال المأمون: أُخرج كيف شئت ، وأمر القوّاد والحجاب والناس أن يبكروا إلى باب الرضا (ع). قال: فقعد الناس لأبي الحسن (ع) في الطرقات والسطوح، واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، فاغتسل أبو الحسن ولبس ثيابه وتعمّم بعمامةٍ، ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه، ومسّ شيئاً من الطيب، وأخذ بيده عكازة وقال لمواليه: "افعلوا مثل ما فعلت" فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبّر وكبّر مواليه معه، فلمّا رآه الجند والقوّاد سقطوا كلّهم عن الدواب إلى الأرض، ثمّ كبّر وكبّر الناس فخيل إلى الناس أنّ السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا الإمام الرضا (ع) وسمعوا تكبيره، فبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل: إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل فتن به الناس، وخفنا كلّنا على دمائنا، فأنفذ إليه أن يرجع. فأرسل إليه من يطلب منه العودة، فرجع الرضا (ع) واختلف أمر الناس في ذلك اليوم.

وقد أشار الشاعر البحتري الى تلك القصّة بأبيات منها:             ذكروا بطلعتك النبيّ فهللوا *** 

                                                                          لما طلعت من الصفوف وكبّروا حتى انتهيت الى المصلّى لابساً ***   

                                                                         نور الهدى يبدو عليك فيظهر ومشيت مشية خاشع متواضع *** 

                                                                         لله لا يزهى ولا يتكبر ***

ورد عن ابي الصلت الهروي في قوله : «... وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا; فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس الاّ ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاًّ في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين الاّ قطعه وألزمه الحجة . وكان الناس يقولون : والله انّه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده ».

إنّ هذا وأمثاله، وبالأخص خروج أخ المأمون زيد بن موسى بالبصرة على المأمون، لأنّه فوض ولاية العهد لعلي بن موسى الرضا الذي كان في تصوّره سيؤدي إلى خروج الأمر من بيت العباسيين، كل ذلك وغيره دفع المأمون إلى أن يريح نفسه وقومه من هذا الخطر فدسّ إليه السم على النحو المذكور في كتب التاريخ. ولما استشهد الإمام (ع) دفن في مدينة طوس في قبر ملاصق لقبر هارون الرشيد، وقبر الإمام الرضا الآن مزار مهيب يتقاطر المسلمون على زيارته والتبرك به. فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.

 المصدر: سيرة الأئمة الأطهار، الشيخ جعفر السبحاني، بتصرف

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com