العقلانية في الشخصيّة ودور الصّلاة فيها

العقلانية في الشخصيّة ودور الصّلاة فيها

قد يكون إنسان في قسم من مفاهيمه موضوعيّاً، عقلانيّاً، واضح الرؤية، ثابت البرهان، مطمئنّ البال، وفي قسم آخر مُغبش الرؤية، مشوش البال...

أقصد بالعقلانية في الشخصيّة:  الملَكة المنطقيّة في مكونات الشخصيّة الثلاثة، المفاهيم، والمشاعر، السلوك..حتى تكون طبيعة فيها. 
ويتفاوت الناس في نصيبهم من هذه العقلانيّة، فقد يكون إنسان في قسم من مفاهيمه موضوعيّاً، عقلانيّاً، واضح الرؤية، ثابت البرهان، مطمئنّ البال، وفي قسم آخر مُغبش الرؤية، مشوش البال.
وقد يكون عقلانيّاً في قسم من مشاعره، عشوائيّاً في القسم الآخر.
وقد يكون عقلانيّاً في قسم من سلوكه، ارتجاليّاً في القسم الآخر.
وقد يكون عقلانيّاً في عامّة مفاهيمه، ولكنّه عشوائي المشاعر، ارتجلي السلوك... إلخ.
وكما تتفاوت مساحة العقلانيّة في أبعاد الشخصيّة الثلاثة، تتفاوت كذلك في حالات الإنسان، وظروفه الداخلية، والخارجيّة، فقد تتقلّص في بعض الحالات، أو تزداد، أو تترسّخ، أو تضعف، أو تزول...
ومن ضرب هذه الأقسام والحالات بعضها ببعض؛ يتحصّل مئات، بل آلاف الأنواع من شخصيّات الناس وحالاتهم.
والنموذج الأعلى للشخصيّة العقلانيّة هو: الإنسان الذي يعيش الموضوعيّة الصرفة المستوعبة الدائمة، يأخذ الحقيقة كما هي ويتعامل معها كما هي، لا يفترض لها إضافة، ولا ينتقص منها نقيصة، كما هو الحال في نخبة الإنسانيّة من الأنبياء والأئمّة وكبار المؤمنين (عليهم السلام)، الذين يعيشون المنهج العقلي والأيديولوجية الكاملة الموحّدة في الفكر والشعور والسلوك.
إنّ الواحد من هذه الشخصيّات العقلانيّة لهو مادّة للدراسة الفكريّة والجماليّة... إذا انفتحتَ عليه فهو يستهويك ويملك عليك لبّك.
تجده صادقاً في نفسه، ومع نفسه، ومع الأشياء، حيويّاً جاداً في مفاهيمه، وانفعالاته وتصرفاته.
يعيش وضوح الرؤية، ووحدة المنهج في مجموعة أفكاره، ابتداءاً من مفهومه عن الله والطبيعة، والإنسان والتاريخ والمستقبل، إلى مفهومه عن نفسه وطريقه، وعن الآخرين، وإلى مفاهيمه الجزئيّة الصغيرة...
وكما يَنْتظم كلّ بُعد من شخصيّته في هذا الصدق الجميل، تنتظم الأبعاد الثلاثة، الأفكار، والمشاعر، والسلوك في كلّ منسجمٍ بديع... إنّك تجد فيه البناء الإنساني المتين، والجمال الإنساني العميق كشجرة متكاملة، متكافلة، ثابتة الأصول، سامقة الفروع، فارعة الجمال، سخيّة الظلال والشذى والثمرات.
 
دور الصلاة في ذلك
إنّ الصلاة تفرض السمت العقلاني على الشخصيّة من جانبين:
 
أوّلاً: بحقائقها الكبيرة التي تقدّمها إلى العقل بأسلوبها الخاصّ... والصلاة زاخرة بالحقائق الكبيرة عن الله والكون والإنسان وموقعه وطريقه، ومتفرّدة في أسلوب تقرير هذه الحقائق، وإثارتها أمام العقل، وإثارة العقل لاستيعابها، ومخامرتها والتفاعل معها، وقد تقدّم من ذلك ما فيه الكفاية، وبالأخصّ في بحث تلاوات الصلاة.
وثانياً: بموقفها الذي تمليه على المصلّي، فإن وقفة الصلاة بحدّ ذاتها تفرض السمت العقلاني، فما أن يمثل الإنسان بين يدي الله، ويقف بانضباط واعتدال، حتى يشعر أنّه بدأ في عمل جادّ، وأنّه خلّف وراءه الهزل والتسيب.
 
ولا أحسبني بحاجة إلى التدليل على هذا العطاء للصلاة، فقد أصبح ذلك مثلاً على ألسن الناس، وأصبح خير تعبير عمّن يعيش حالة العقلانيّة والجدّ في أمر من أموره أن يقال عنه: (إنّه في صلاة) .
إنّ أي مصلٍّ ليحسّ بالفارق الجديد في شخصيّته أثناء الصلاة، يحسّ بالعقلانيّة التي يفرضها عليه الموقف الذي يقفه، والحقائق التي يواجهها، حتى إنّ نظرته إلى كثير من الأفكار والقضايا تختلف أثناء الصلاة وبعدها، وتتّسم بالتعقّل والموضوعية...
فالذي كان قبل قليل مندفعاً في شعور كراهية الإنسان، لو عَرض له هذا الشعور وهو في الصلاة لوجده نشازاً لا يلائم وضعه العقلي الجديد، والذي كان مستغرقاً في تصورات جنسيّة لأعراض الناس، سينفر من هذه التصورات لو عرضت له وهو في الصلاة، والذي كان يعيش ذاتيّته الشخصيّة الضيّقة، سيجد نفسه في الصلاة منفتحاً على أفق أوسع وذات أكبر.. وهكذا..
إنّ وقفة الصلاة إنّما هي يد المنطقيّة الإلهيّة تمتدّ إلى الإنسان كلّ يوم، لتنقذه بهدوئها واتّزانها من انحراف المشاعر وارتجال التصرّف، وتمدّه بشحنة من العقل والجدّ، فتصلحه بذلك لحركة الحياة.
 
 
 
•المصدر : الشيخ علي كوراني – فلسفة الصلاة 

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com