كيف نواجه الحرب الناعمة ؟

كيف نواجه الحرب الناعمة ؟

دور القائد الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) في مواجهة الحرب الناعمة

تبيَّن أن القائد الخامنئي منذ سنة 2009م، بعد المشكلة التي أُثيرت بوجه الانتخابات الرئاسية في إيران، وخلال سنتين، قد ألقى خمسة عشر خطاباً عن الحرب الناعمة، ولم أسمع مسؤولاً واحداً في كل العالم العربي والإسلامي يتحدث عن الحرب الناعمة، ولذلك، واعترافاً بالجميل والسبق وتسليط الضوء على هذا الأمر الخطير، ;رأيت  من المناسب أن ألخص بشكل مكثف بعض ما قاله الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) ضمن محورين:
- المحور الأول: ضرورة التنبه للقوة الناعمة. والمحور الثاني كيفية مواجهة القوة الناعمة.
يقول القائد عن ضرورة التنبه للقوة الناعمة:
1- "الحرب الناعمة حربٌ حقيقيةٌ في عالمنا المعاصر، رغم أن بعض الأشخاص ربما لا يرونها".
2- "إن أحد أهم مخططات الرئيسة للأعداء تقوم على قلب حقائق البلاد".
3- "الحرب الناعمة عبارة عن تضليل الشعب -الرأي العام- بشعارات ظاهرها حق ولكن محتواها باطل وفاسد وإثارة الغبار في الجو السياسي للبلد".
4- "إنَّ الهدف المركزي للحرب الناعمة هو تحويل نقاط القوة والفرص إلى نقاط ضعف وتهديدات، وقلب حقائق البلاد".
اخترت هذه الإشارات الأربعة لتسليط الضوء على الحرب الناعمة من خلال أقوال الإمام الخامنئي(حفظه الله تعالى ورعاه. 

أمَّا كيف تكون المواجهة؟ فسأختار بعض الأقوال من دون شرح لتبيان رؤية القائد(حفظه المولى) في المواجهة: 
1- "ينبغي توعية وتثقيف الناس وكشف هذه الأهداف أمامهم".
2- "يجب العمل بصورة عكسية لأهداف العدو"
3- "يجب مراعاة المصالح العليا في أخذ المواقف والتحركات والتدابير"، إذ يعلق الإنسان أحياناً في إطار المصالح الضيقة، فيهمل الكليات، ويدخل في نفق الحرب الناعمة.
4- "على الجميع وخاصة الخواص الانتباه كي لا تكون تصريحاتهم وإجراءاتهم تكملة لخطط وأهداف أعداء النظام".
5- "ينبغي لوسائل الإعلام والنشطاء والسياسيين والمسؤولين الابتعاد عن الخلافات الهامشية غير المبدئية، لأن الأولوية في البلاد اليوم هي لمواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو، والتي تستهدف بث الفرقة والتشاؤم بين أبناء الشعب، ومن أهم سبل مواجهة هذا الهجوم هو حفظ وتقوية البصيرة والروح المعنوية والتعبوية والأمل في المستقبل، وهذا لا يعني إنكار وجود المشاكل والأزمات، ولا يلغي ضرورة القيام بواجب الإصلاح والمعالجة".
6- "على النخب والخواص أن ينتبهوا كثيراً لأن صمتهم وانسحابهم في بعض الأحيان يساعد الفتنة"(29). فـ:"الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس".
7- "لا ينبغي الركون إلى وسائل الإعلام الأجنبية لفهم مجريات الأحداث، بل الصحيح هو مخالفة ما تأتي به هذه الإذاعات وفقاً لمقولة الإمام الخميني(قده) إنَّ "قمة الرشد والنضوج الفكري هي في مخالفة الإذاعات الأجنبية المعادية". فـ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".
8- "الشباب الجامعيون هم ضباط الحرب الناعمة أمام مؤامرات الغرب المعقدة". وهذه مسؤولية كبيرة على الشباب الجامعي.
وهنا لفتتني ملاحظة أوردها الإمام القائد في حديثه عما حصل في سنة 2009 في إيران بعد الانتخابات الرئاسية، قال: "لم تفاجئنا الفتنة ولكن فاجأنا تحرك بعض الأشخاص". كي لا يظن البعض أن الأمور لم تكن معروفة بالإجمال في إيران أو أنَّ الحرب الناعمة لم تُعرف إلاَّ في سنة 2009! لا، الحرب الناعمة موجودة سابقاً، ولكنها تبلورت في صيغة معينة سنة 2009 في الانتخابات الرئاسية، وتصدى لها أشخاص لم يكن بالحسبان أنهم سيكونون من الأدوات التي تستخدمها الحرب الناعمة.


ثانياً :حزب الله ومواجهة  الحرب الناعمة 

لأنَّ البحث جديد، ويحتاج إلى إضاءات، اخترت نموذجاً عن الحرب الناعمة: في مواجهة حزب الله. 
هناك عنوانان رئيسان في الحرب الناعمة ضد حزب الله، وكل العناوين الأخرى تدخل تقريباً تحت هذين العنوانين، ويستطيع كل واحد أن يذكر مئات العناوين الأخرى، فسيجد أنها تندرج تحت هذين العنوانين. هذه الحرب الناعمة تخوضها أمريكا ومن معها ضدنا، وهي المتصدي الحقيقي لها، فإذا ما سمعتم بعض العبارات والمواقف التي يكررها البعض هنا في لبنان، فإنَّهم يمثلون الصدى وليسوا هم أصحاب هذه الحرب، بل هم أعجز من أن يقودوا حرباً ناعمة. 
العنوان الأول: حجة المواجهة ضد حزب الله، أنَّ فكره ومقاومته لا ينسجمان مع تطورات المجتمع الحديث والمعاصر، ويصنفون هذا الحزب بأنه إرهابي، متجاوزين تمثيله الشعبي، وقدرته على الامتداد والتحالف، والحضور السياسي والتأثير في البلد، وهدفهم الأساس: مواجهة الأساس الفكري والاتجاه المقاوم لحزب الله. 
العنوان الثاني: حجة ضرورة حصرية السلاح بيد الدولة, فالدول هي التي تقتني وتحمل السلاح، لتحمي شعبها في الداخل والخارج، وهدفهم الأساس: ضرب معادلة لبنان القوي الذي يعيق الوصاية الأمريكية ويعيق الاستثمار الإسرائيلي، وذلك لإبقاء تفوق الكيان الغاصب في المنطقة ليحقق أهدافه.
هذان عنوانان كبيران للحرب الناعمة على حزب الله. وهناك أدوات لها، لأن أي حرب ناعمة تحتاج إلى أساليب ووسائل، من أدوات هذه الحرب الناعمة: 
1- إثارة الفتنة المذهبية بين الحين والآخر.
2- الإعلان بأنَّ قوة حزب الله تتعارض مع وجود الدولة، أو كما يقولون: هو دولة داخل دولة.
3- الاعتراض على تحالفه مع إيران وسوريا.
4- إبراز الأضرار المادية التي تنتج عن مقاومة العدو، وخسائر الناس في بيوتهم وأرزاقهم بسبب الحرب مع إسرائيل.
5- الحرص على موقع لبنان في المجتمع الدولي، وأنه لا يستطيع أن يعيش إلاَّ من ضمن هذه المنظومة، وعلى حزب الله أن ينسجم مع قرارات مجلس الأمن وطروحات الغرب وأمريكا.
6- أخيراً وليس آخراً، المحكمة الخاصة بلبنان والتي يمكن أن تخدم لعشرات السنين، في محاولة لإثارة البلبلة والاتهامات والتحريض، ما يؤثر على علاقات اللبنانيين مع بعضهم.

هذه بعض أبواب الحرب الناعمة التي تُستخدم ضد حزب الله، الذي يواجه بوضوح وصلابة واطمئنان هذه الإدعاءات، من خلال أمور أبرزها:
1- رفض الفتنة المذهبية، نظرياً وعملياً، والعمل مع القوى السياسية المتنوعة مذهبياً على قاعدة الموقف وليس المذهب، وعدم الإنجرار إلى الخطابات والتحريض المذهبي ثقافياً وإعلامياً.
2- ممارسة الدولة لصلاحياتها بشكل كامل في مناطق نفوذ الحزب، وليس الأمر تعففاً، بل هي قناعة جازمة بأنَّ المصلحة في الدولة المستقرة التي تقوم بواجباتها تجاه المجتمع، كما تأخذ حقوقها منهم.
3- تحالف الحزب مع إيران وسوريا مورد قوة وفخر واعتزاز، وهو مستمر بسبب تماهي التوجهات السياسية في مصلحة هذه القوى متحالفة مع بعضها، معتبراً أن التحالف فرصة وليس تهمة.
4- أما المقاومة فهي التي حررت الأرض ودافعت عنها، وأدت إلى لبنان القوي، فليقولوا لنا ما الذي قدموه من خلال لبنان الضعيف ومن دون مقاومة إلاَّ التبعية والخسائر؟!
5- وأما موقع لبنان في المجتمع الدولي، فهو حاضرٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى ببركة المقاومة.
6- وأما المحكمة الخاصة بلبنان فهي مسيَّسة نشأة واستمرارية، وتفتقر إلى أدنى معايير المهنية القضائية، وتديرها أمريكا، وأملنا أن تفشل ولا تحقق أهدافها بإذن الله تعالى.

ثالثاً : أسس المواجهة العامة
سنذكر أربعة أسس وقواعد لمواجهة الحرب الناعمة بشكل عام:

1) علينا أن نعرف أننا في حالة حرب دائمة, وهذه هي الحرب الناعمة، ما يتطلب العمل الدؤوب لمواجهتها لحظة بلحظة، لا أن نتوقف في مرحلة ونواجه في مرحلة أخرى.
2) تحصل الحرب العسكرية عند اليأس من الحرب الناعمة أو الرغبة باستعجال النتائج، ولذلك كلما كانت لديهم آمال بالحرب الناعمة يؤخرون حربهم العسكرية في لبنان أو في غير لبنان. وفي بعض الأحيان قد تكون الحرب الناعمة بديلاً عن الحسم العسكري للعجز عن الاستمرار به. ففي الاحتمالين نحن أمام حرب ناعمة بسبب العجز عن تحقيق الأهداف بواسطة الحرب العسكرية، ولكن الحرب العسكرية تبقى احتمالاً موجوداً لدى الأعداء.
3) يتركز التأثير في المواجهة على البعد التربوي الثقافي (القيم) من ناحية، وعلى التأثير السياسي من ناحية أخرى, وإنما يعوِّل الأجانب على التأثير السياسي للتغيير، لأنه يُحدث انقلابات ومتغيرات في الواقع المستهدف، وعلينا أن نهتم في المواجهة على الأمرين: البعد التربوي الثقافي، والبعد السياسي.
4) يجب أن نجمع قوانا في مختلف المجالات ونستفيد من كل الطاقات، إذ لا يمكن أن تكون المواجهة مقتصرة على فريق من دون آخر، ولا على جماعة من دون أخرى، فكلنا بحاجة إلى بعضنا بعضاً في مواجهة الحرب الناعمة، وهذا ما يتطلب أن تتكاتف جهودنا، في كل المراحل، وفي مواجهة كل التحديات، وباتجاه كل الأبعاد.
من المؤكد بأنَّ إرادةً حرة موجودة لدينا في مواجهة الحرب الناعمة تجعلنا منتصرين بإذن الله تعالى، لأنَّ التصميم هو البداية. هذه الحرب الناعمة مفتوحة على الأفكار والسلوك والمواقف السياسية، وهي في مواجهة النموذج القوي والجذاب الذي قدَّمه حزب الله في كل الجوانب من ناحية، والمقاومة التي عطَّلت مشاريع إسرائيل وأمريكا من ناحية أخرى.
وإذا أردتم أن تتعرفوا على أدوات القوة الناعمة التي نواجهها، فراقبوا الهجوم على النموذج وعلى المقاومة، أمَّا الأساليب والوسائل فرأسها الفتنة المذهبية وضخ الأكاذيب.
وأمَّا أدوات الداخل فهي صدى للحرب الناعمة، ولكنها مربكة وفاشلة ومكشوفة، وهي تقتدي بالإعلانات الأمريكية إلى درجة تماهي التعابير التي يستخدمونها مع التعابير التي يطلقها البنتاغون أو البيت الأبيض أو الرئيس الأمريكي، وعلى الرغم من سعة اللغة العربية فهم عاجزون عن استخدام تعابير أخرى، بل لننصفهم هم عاجزون عن أن يختاروا طريقاً في الحرب الناعمة تخالف القرار المركزي الأمريكي.
لقد تجاوز حزب الله الحرتقات، وهو سيتابع نموذجه ومقاومته, وسيعمل للوحدة، ومصالح الناس، واستمرارية لبنان القوي بجيشه وشعبه ومقاومته، ونحن نعلم بأنَّ الحرب الناعمة حربٌ مفتوحة، وسنواجهها بالرؤية الواضحة والتعبئة المستمرة على التربية الصالحة والجهاد والعمل.
في ختام كلامي، أوجه التحية الكبيرة لمركز "قيم" الذي كان وراء هذه الندوة، وأعدَّ بعض الكتيبات حول الموضوع، ولديه مشروع متكامل لمواجهة الحرب الناعمة، وكذلك هيئة التعليم العالي في التعبئة التربوية التي شاركت مركز "قيم" في هذه الدعوة، وأعلنُ بالاتفاق مع الأخوة في مركز "قيم" هذا اللقاء منطلقاً لفاعليات واسعة جداً لمواجهة الحرب الناعمة، نشارك فيها جميعاً، لنحقق الإنجازات في هذا السبيل، فنحمي ساحتنا ومجتمعنا بالدفاع عنهما، والحمد لله رب العالمين.


 
• المصدر: كتاب كيف نواجه الحرب الناعمة، وهو عبارة عن خلاصة المحاضرة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم تحت عنوان "الحرب الناعمة" بدعوة من مركز "قيم" وهيئة التعليم العالي في التعبئة التربوية
 
 
 

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com